 
  بين أوّل الأنبياء وآخرهم رابطة مشركة وعادة متّبعة لا يعلمها كثيرٌ من الناس ،  فآدم  عليه السلام هو أوّل من استخدم التحيّة الإسلامية حينما علّمه ربّه السلام على الملائكة ،  ومحمد  - صلى الله عليه وسلم – جعلها رمزاً خاصّاً لأمته تميزّها عن باقي الأمم .
فاليهود كانوا يحيّون بعضهم إشارةً بالأصابع ، والنصارى كانوا يشيرون بأكفّهم ، أما المسلمون فقد أبدلهم الله تعالى عن هذا كلّه بخير تحيّة وأفضل سلام : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " .
وهذه التحيّة المتميّزة في ألفاظها – فهي مأخوذة من اسم الله " السلام " كما في الحديث الصحيح – العميقة في مدلولاتها – بما تحمله من معاني الرحمة والمودّة – العظيمة في تأثيرها – فأثرها واضحٌ في توثيق العلاقات وصفاء القلوب – هي خير بديل عن تحايا أهل الجاهليّة ، فلا عجب إذاً أن يحسدنا اليهود عليها ، كما ثبت في حديث  عائشة  رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال :  ( ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين )  رواه الإمام  البخاري  في الأدب المفرد .
وقد دلّت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على فضل هذه التحيّة ، فبيّن الله عزوجل كونها تحية أهل الجنة ، قال تعالى : { وتحيتهم فيها سلام }  ( يونس : 10 ) ، وفي السنّة ذكرٌ للأجر المترتّب عليها ، فعن  أبي هريرة  رضي الله عنه أن رجلا مرّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مجلس فقال : سلامٌ عليكم ، فقال له :  ( عشر حسنات )  ، ثم مرّ آخر فقال : سلام عليكم ورحمة الله ، فقال له :  ( عشرون حسنة )  ، ثم مرّ ثالثٌ فقال : سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال له :  ( ثلاثون حسنة )  ،رواه  ابن حبان  في صحيحه .
وكذلك بيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أثر هذه التحيّة في تقوية الروابط الأخويّة فقال :  ( أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم )  رواه  مسلم  ، وأوضح أنها سببٌ من أسباب دخول الجنّة فقال :  ( اعبدوا الرحمن ، وأطعموا الطعام ، وأفشوا السلام ، تدخلوا الجنة بسلام )  رواه  الترمذي  ، وجعلها النبي – صلى الله عليه وسلم حقّاً من حقوق الأخوة فقال :  ( حق المسلم على المسلم ست – وذكر منها - إذا لقيته فسلّم عليه )  رواه  مسلم  ، ونهى عن تركها واعتبر ذلك دليلاً على بخل صاحبها فقال :  ( أبخل الناس من بخل بالسلام )  رواه  الطبراني  ، وجعلها علامة المصالحة وعود الود فقال :  ( لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )  متفق عليه .
وبالعودة إلى سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، نجد أنه كان من أكثر الناس إفشاءً للسلام ، دون أن يفرّق بين صغيرٍ وكبير ، وصديقٍ وغريب ، ورجلٍ وامرأة ، فها هو عليه الصلاة والسلام يمرّ على قومٍ لا يعرفهم ولا تربطه بهم علاقة ، في مكانٍ يُقال له " الروحاء " فيبتدرهم بالسلام ، رواه  أبو داود  ، وأشار إلى فضل ذلك عندما سئل : أي الإسلام خير فقال :  ( أن تطعم الطعام وتقرأ السلام ، على من عرفت ومن لم تعرف )  متفق عليه .
وكان يمرّ على الجماعة من الغلمان فيسلّم عليهم ، كما حكى عنه خادمه  أنس  رضي الله عنه ، ويمرّ عليه الصلاة والسلام على جماعة من النساء فيسلّم عليهنّ ويعظهنّ – كما حدّثت بذلك  أسماء بنت يزيد  رضي الله عنها - .
وفي كيفيّة سلامه عند الدخول على أهل بيته يقول الصحابي الجليل  المقداد بن عمرو  رضي الله عنه : " ..يسلم تسليما لا يوقظ نائما ، ويسمع اليقظان " رواه  مسلم  .
وقد بيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه جملةً من الآداب المتعلّقة بهذه التحيّة ، منها : أن الراكب يسّلم على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير ، والصغير على الكبير ، ويُرشد عليه الصلاة والسلام إلى الإكثار من السلام فيقول : ( إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه ، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه ) رواه أبو داود ، وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم – السلام عند المجيء إلى القوم ، والسلام عند الانصراف عنهم ، كما قال : ( إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، ثم إذا قام فليسلم ؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة ) رواه الترمذي ، إضافةً إلى هدي القرآن في الحث على ردّ التحيّة بأحسن منها أو مثلها كما قال تعالى : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا } (النساء86:) .
وهذه الآداب المذكورة سابقاً إنما هي مختصّة بالمسلمين دون غيرهم ، فلا يجوز ابتداء الكفّار بتحيّة الإسلام كما قال - صلى الله عليه وسلم - :  ( لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام )  رواه  مسلم  ، والنهي هنا عن لفظ السلام خاصّةً لما يتضمّنه من معانٍ خاصّة لا تنبغي لكافر ، ويُمكن بدلاً عن ذلك تحيّتهم بغيرها من ألفاظ الترحيب ، وأما ردّ السلام عليهم فيكون بمثلها دون زيادةٍ في ألفاظها أو تعدٍّ على أصحابها ؛ فإن ذلك منافٍ لمعاني الرفق والحلم مع المشرك ، يشير إلى ذلك حديث  عائشة  رضي الله عنها أن يهوداً أتوا إليه - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : السام عليكم ، فردّت عليهم : عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم ، فقال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - :  ( مهلا يا  عائشة  ،  عليك بالرفق ، وإياك والعنف والفحش )  ، فقالت له : أو لم تسمع ما قالوا ؟ ، فقال :  ( أو لم تسمعي ما قلت ؟ رددت عليهم ، فيستجاب لي فيهم ، ولا يستجاب لهم )  متفق عليه 
وكان هديه – صلى الله عليه وسلم – إذا مرّ بجمع يضمّ مسلمين وغيرهم أن يسلم قاصداً بتحيّته المسلمين ، فقد أخبر  أسامة بن زيد  رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ بمجلس وفيه أخلاط من المسلمين واليهود فسلّم عليهم ، رواه  الترمذي  .
والمشهور من تحيّة النبي – صلى الله عليه وسلم – قول : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" ، وفي الرّد : " وعليكم السلام ورحمة الله " ، وأحيانا كان يردّ بقوله : " وعليك ورحمة الله " ، كما جاء في حديث  أبي ذر  رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ردّ على تحيّته بقوله :  ( وعليك ورحمة الله )  رواه  مسلم  .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يكره أن يقول المبتديء : " عليك السلام ، فقد جاء عن  جابر بن سليم  رضي الله عنه أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : عليك السلام يا رسول الله ، فقال له :  ( لا تقل عليك السلام ؛ فإن عليك السلام تحيّة الميت ، قل السلام عليك )  رواه  أبو داود  .
كما جاء النهي عن السؤال أو دعوة أحدٍ إلى الطعام قبل السلام ، كما جاء في قول النبي – صلى الله عليه وسلم - :  ( السلام قبل السؤال . فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه )  رواه  ابن النجار  ، وفي حديث آخر :  ( لا تدعوا أحدا إلى الطعام حتى يسلّم )  رواه  الترمذي  ، وكذلك جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله :  ( لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام )  رواه  أبو يعلى  .
وللمعاني التي تحملها تحيّة الإسلام والآثار التي تحقّقها شرع النبي – صلى الله عليه وسلم- تبليغ سلام الغائبين إلى أصحابه ، أو طلب توصيل السلام إليهم ، كما بلّغ النبي – صلى الله عليه وسلم – سلام  جبريل  عليه السلام إلى زوجته  خديجة  رضي الله عنها ، وإلى  عائشة  رضي الله عنها .
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا بلغه أحد السلام عن غيره أن يرد عليه وعلى المبلغ ، كما ثبت في سنن  أبي داود أن رجلا قال له عليه الصلاة والسلام : إن أبي يقرئك السلام ، فقال له :  ( عليك وعلى أبيك السلام )  .
أما رد السلام فقد بيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – وجوبه ، وجعله حقّاً من حقوق الأخوّة الإسلاميّة فقال :  ( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام )  متفق عليه ، إلا في حال الصلاة فكان عليه الصلاة والسلام يشير باليد ولا يردّ التحيّة باللفظ ؛ لتحريم الكلام في الصلاة كما جاء في الحديث الصحيح :  ( إن في الصلاة لشغلاً )  متفق عليه ، وفي حديث  عبد الله بن عمر  رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – خرج إلى قباء يصلي فيه ، فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي ، فكان يرد عليهم هكذا – وبسط كفّه – " ، رواه  أبو داود  ، وعن  جابر  رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم لحاجة - ، ثم أدركته وهو يصلي فسلمت عليه ، فأشار إلي ، فلما فرغ دعاني فقال :  ( إنك سلمت علي آنفا وأنا أصلي )  رواه  النسائي  .
ومما يُشار إليه هنا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ترك السلام أو الرّد عليه في بعض الأحوال وعلى بعض الفئات ، فقد كان عليه الصلاة والسلام يكره أن يسلّم على غير طهارة أو وقت قضاء الحاجة ، ففي حديث  ابن عمر  رضي الله عنهما قال : مرّ رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام ، رواه  النسائي  ، وفي رواية  أبي داود  : ثم اعتذر إليه فقال :  ( إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر ، أو قال على طهارة )  .
وترك النبي – صلى الله عليه وسلم – السلام على بعض العصاة إشعاراً لهم بمعصيتهم وعظيم جرمهم ، كما فعل مع  كعب بن مالك  رضي الله عنه وغيره من المتخلّفين عن غزوة تبوك ، ومع الرجل الذي اتّخذ خاتماً من حديد كما عند  البخاري  في الأدب المفرد .
تلك إشراقةٌ من إشراقات أدبه عليه الصلاة والسلام وخلقه ، ومنهجه وسنّته ، فمن تمسّك بها سعد بآثارها ، وتنعّم بأجورها ، ومن تركها فقد فاته الخير العظيم ، والمحروم من حرمه الله .
 
				 
				 المقالات
 المقالات 
        						 
						 
						

 
					 
					