فصل
قال الرافضي [1] : " البرهان الثلاثون : قوله تعالى : ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) [ سورة الرحمن : 19 - 20 ] [2] . [ ص: 245 ] [3] من تفسير الثعلبي وطريق أبي نعيم عن ابن عباس في قوله : ( مرج البحرين يلتقيان [4] قال : علي وفاطمة [5] ( بينهما برزخ لا يبغيان ) : النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله [6] : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) [ سورة الرحمن : 22 ] : الحسن والحسين [7] ، ولم يحصل لغيره من الصحابة هذه الفضيلة ، فيكون أولى بالإمامة " [8] .
والجواب أن هذا وأمثاله إنما يقوله من لا يعقل ما يقول ، وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن ، وهو من جنس تفسير الملاحدة والقرامطة الباطنية للقرآن ، بل هو شر من كثير منه . والتفسير بمثل هذا طريق للملاحدة على القرآن والطعن فيه [9] ، بل تفسير القرآن بمثل هذا من أعظم القدح فيه والطعن فيه .
ولجهال المنتسبين [10] إلى السنة تفاسير في الأربعة ، وهي إن كانت باطلة فهي أمثل من هذا ، كقولهم : الصابرين : محمد ، والصادقين : أبو بكر ، والقانتين : عمر ، والمنفقين : عثمان ، والمستغفرين بالأسحار : علي .
وكقوله : محمد رسول الله ، والذين معه : أبو بكر ، أشداء على الكفار : عمر ، رحماء بينهم : عثمان ، تراهم ركعا سجدا : علي .
[ ص: 246 ] وكقولهم : والتين : أبو بكر ، والزيتون : عمر ، وطور سينين : عثمان ، وهذا البلد الأمين : علي .
وكقولهم : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا ) : أبو بكر ( وعملوا الصالحات ) : عمر ، ( وتواصوا بالحق ) : عثمان ( وتواصوا بالصبر ) علي .
فهذه التفاسير من جنس [ تلك ] [11] التفاسير ، وهي أمثل من إلحادات الرافضة كقولهم : ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) [ سورة يس : ] علي ، وكقولهم : ( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) [ سورة الزخرف : 4 ] : إنه علي بن أبي طالب ، ( والشجرة الملعونة في القرآن ) [ سورة الإسراء : 60 ] : بنو أمية ، وأمثال هذا الكلام الذي لا يقوله [12] من يرجو لله وقارا ، ولا يقوله من [13] يؤمن بالله وكتابه .
وكذلك قول القائل : ( مرج البحرين يلتقيان ) [ سورة الرحمن : 19 ] : علي وفاطمة ، ( بينهما برزخ لا يبغيان ) [ سورة الرحمن : 20 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) [ سورة الرحمن : 22 ] : الحسن والحسين . وكل من له أدنى علم وعقل يعلم بالاضطرار بطلان هذا التفسير ، وأن ابن عباس لم يقل هذا .
وهذا من [14] التفسير الذي في تفسير الثعلبي ، وذكره بإسناد رواته مجهولون لا يعرفون ، عن سفيان الثوري . وهو كذب على سفيان . قال [ ص: 247 ] : " الثعلبي أخبرني الحسن بن محمد الدينوري ، حدثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله ، قال : قرأ أبي على أبي محمد [15] بن الحسن بن علوية القطان من كتابه وأنا أسمع ، حدثنا بعض أصحابنا ، حدثنا رجل من أهل مصر يقال له طسم ، حدثنا أبو حذيفة ، عن أبيه ، عن سفيان الثوري في قوله : ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) قال : فاطمة وعلي ، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان : الحسن والحسين .
وهذا الإسناد ظلمات بعضها فوق بعض ، لا يثبت بمثله شيء .
ومما يبين كذب ذلك وجوه : أحدهما : أن هذا في سورة الرحمن ، وهي مكية بإجماع المسلمين ، والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة .
الثاني : أن تسمية هذين بحرين ، وهذا لؤلؤا ، وهذا مرجانا ، وجعل النكاح مرجا - أمر لا تحتمله لغة العرب بوجه ، لا حقيقة ولا مجازا ، بل كما أنه كذب على الله وعلى القرآن ، فهو كذب على اللغة [16] .
الثالث : أنه ليس في هذا شيء زائد على ما يوجد في سائر بني آدم ، فإن كل من تزوج امرأة وولد لهما ولدان * فهما من هذا الجنس ، فليس في ذكر [ ص: 248 ] هذا ما يستعظم من قدرة الله وآياته ، إلا ما في نظائره من خلق الآدميين * [17] فلا موجب [18] للتخصيص ، وإن كان ذلك لفضيلة الزوجين والولدين ، فإبراهيم وإسحاق ويعقوب أفضل من علي .
وفي الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الناس أكرم ؟ فقال : " أتقاهم " . فقالوا : ليس عن هذا نسألك . فقال : " يوسف نبي الله ، ابن يعقوب نبي الله ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله " [19] .
وآل إبراهيم الذين أمرنا أن نسأل لمحمد وأهل بيته من الصلاة مثل ما صلى الله عليهم ، ونحن - وكل مسلم - نعلم أن آل إبراهيم أفضل من آل علي ، لكن محمد أفضل من إبراهيم . * ولهذا ورد هنا سؤال مشهور ، وهو أنه إذا كان محمد أفضل ، فلم [20] قيل : كما صليت على إبراهيم * [21] [22] ، والمشبه دون المشبه به .
وقد أجيب عن ذلك بأجوبة : منها : أن يقال : إن آل إبراهيم فيهم الأنبياء ، ومحمد [23] فيهم . قال ابن عباس : محمد من آل إبراهيم . فمجموع آل إبراهيم بمحمد أفضل من آل محمد ، ومحمد قد دخل في الصلاة على [ ص: 249 ] آل إبراهيم ، ثم طلبنا له من الله ولأهل بيته مثل ما صلى على آل إبراهيم ، فيأخذ أهل بيته ما يليق بهم ، ويبقى سائر ذلك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون قد طلب له من الصلاة ما جعل [24] للأنبياء من آل إبراهيم . والذي يأخذه الفاضل من أهل بيته لا يكون مثلما يحصل لنبي ، فتعظم الصلاة عليه بهذا الاعتبار ، - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : إن التشبيه [25] في الأصل لا في القدر .
الرابع : أن الله ذكر أنه مرج البحرين في آية أخرى ، فقال في الفرقان : ( وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج ) [ سورة الفرقان : 53 ] فلو أريد بذلك علي [26] وفاطمة لكان ذلك ذما لأحدهما ، وهذا باطل [27] بإجماع أهل السنة والشيعة .
الخامس : أنه قال : ( بينهما برزخ لا يبغيان ) فلو أريد بذلك علي وفاطمة ; لكان البرزخ الذي هو النبي - صلى الله عليه وسلم - بزعمهم - أو غيره هو المانع لأحدهما أن يبغي على الآخر . وهذا بالذم أشبه منه بالمدح .
السادس : أن أئمة التفسير متفقون على خلاف هذا ، كما ذكره ابن جرير وغيره . فقال ابن عباس : بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام . وقال الحسن : مرج البحرين ، يعني بحر فارس والروم ، بينهما برزخ : هو الجزائر [28] . [ ص: 250 ] وقوله : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) [ سورة الرحمن : 22 ] قال الزجاج : إنما يخرج [29] من البحر الملح ، وإنما جمعهما لأنه إذا خرج من أحدهما فقد خرج [30] منهما ، مثل : ( وجعل القمر فيهن نورا ) . وقال الفارسي : أراد من أحدهما فحذف المضاف . وقال ابن جرير : إنما قال منهما ; لأنه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء .
وأما اللؤلؤ والمرجان ففيهما قولان : أحدهما : أن المرجان ما صغر من اللؤلؤ ، واللؤلؤ العظام . قاله الأكثرون ، منهم ابن عباس وقتادة والفراء والضحاك . وقال الزجاج : اللؤلؤ اسم جامع للحب الذي يخرج من البحر ، والمرجان صغاره . الثاني : أن اللؤلؤ الصغار ، والمرجان الكبار . قاله مجاهد والسدي ومقاتل . قال ابن عباس : إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها ، فما وقع فيها من المطر فهو لؤلؤ . وقال ابن جرير [31] : حيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة . وقال ابن مسعود : المرجان الخرز الأحمر . وقال الزجاج : المرجان أبيض شديد البياض . وحكي عن أبي يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان [32] .


