( وأما ) بيان وقت النية  فقد ذكر  الطحاوي  أنه يكبر تكبيرة الافتتاح مخالطا لنيته إياها ، أي مقارنا أشار إلى أن وقت النية وقت التكبير ، وهو عندنا محمول على الندب والاستحباب دون الحتم والإيجاب ، فإن تقديم النية على التحريمة جائز عندنا إذا لم يوجد بينهما عمل يقطع أحدهما عن الآخر ، والقران ليس بشرط ، وعند  الشافعي  القران شرط ( وجه ) قوله أن الحاجة إلى النية لتحقيق معنى الإخلاص ، وذلك عند الشروع لا قبله ، فكانت النية قبل التكبير هدرا ، وهذا هو القياس في باب الصوم ، إلا أنه سقط القران هناك لمكان الحرج ; لأن وقت الشروع في الصوم وقت غفلة ونوم ، ولا حرج في باب الصلاة فوجب اعتباره . 
( ولنا ) قول النبي صلى الله عليه وسلم : { الأعمال بالنيات   } مطلقا عن شرط القران ، وقوله : { لكل امرئ ما نوى   } مطلقا أيضا ، وعنده لو تقدمت النية لا يكون له ما نوى ، وهذا خلاف النص ; ولأن شرط القران لا يخلو عن الحرج فلا يشترط كما في باب الصوم ، فإذا قدم النية ولم يشتغل بعمل يقطع نيته يجزئه ، كذا روي عن  أبي يوسف   ومحمد  ، فإن  محمدا  ذكر في كتاب المناسك أن من خرج من بيته يريد الحج فأحرم ولم تحضره نية الحج عند الإحرام  يجزئه ، وذكر في كتاب التحري أن من أخرج زكاة ماله يريد أن يتصدق به على الفقراء فدفع ولم تحضره نية عند الدفع  أجزأه ، وذكر  محمد بن شجاع البلخي  في نوادره عن  محمد  في رجل توضأ يريد الصلاة فلم يشتغل بعمل آخر وشرع في الصلاة -  جازت صلاته وإن عريته النية وقت الشروع . 
وروي عن  أبي يوسف  فيمن خرج من منزله يريد الفرض في الجماعة فلما انتهى إلى الإمام كبر ولم تحضره النية في تلك الساعة -  أنه يجوز . 
قال  الكرخي    : ولا أعلم أحدا من أصحابنا خالف  أبا يوسف  في ذلك ، وذلك لأنه لما عزم على تحقيق ما نوى فهو على عزمه ونيته إلى أن يوجد القاطع ولم يوجد وبه تبين أن معنى الإخلاص يحصل بنية متقدمة ; لأنها موجودة وقت الشروع تقديرا على ما مر ، وعن محمد بن سلمة  أنه إذا كان بحال لو سئل عند الشروع : أي صلاة تصلي ؟ يمكنه الجواب على البديهة من غير تأمل يجزئه وإلا فلا وإن نوى بعد التكبير لا يجوز ، إلا ما روى  الكرخي  أنه إذا نوى وقت الثناء يجوز ; لأن الثناء من توابع التكبير ، وهذا فاسد ; لأن سقوط القران لمكان الحرج ، والحرج يندفع بتقديم النية فلا ضرورة إلى التأخير . 
ولو نوى بعد قوله : " الله " قبل قوله : " أكبر " -  لا يجوز ; لأن الشروع يصح بقوله : " الله " لما يذكر ، فكأنه نوى بعد التكبير وأما نية الكعبة  فقد روى الحسن  عن  أبي حنيفة  أنها شرط ; لأن التوجه إلى الكعبة  هو الواجب في الأصل . 
وقد عجز عنه بالبعد فينويها بقلبه ، والصحيح أنه ليس بشرط ; لأن قبلته حالة البعد جهة الكعبة  وهي المحاريب لا عين الكعبة  لما بينا فيما تقدم ، فلا حاجة إلى النية . 
وقال بعضهم : إن أتى به فحسن ، وإن تركه لا يضره وإن نوى مقام إبراهيم   عليه الصلاة والسلام أو المسجد الحرام  ولم ينو الكعبة    - لا يجوز ; لأنه ليس من الكعبة  ، وعن الفقيه الجليل أبي أحمد العياضي  أنه سئل عمن نوى مقام إبراهيم   عليه السلام فقال : إن  [ ص: 130 ] كان هذا الرجل لم يأت مكة  أجزأه ; لأن عنده أن البيت  والمقام  واحد ، وإن كان قد أتى مكة  لا يجوز ; لأنه عرف أن المقام  غير البيت    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					