ذكر ما رأى   كسرى  من الآيات بسبب رسول الله - صلى الله عليه وسلم  
 [ ص: 434 ] فمن ذلك أن   كسرى أبرويز  سكن دجلة العوراء  ، وأنفق عليها من الأموال ما لا يحصى كثرة ، وكان طاق مجلسه قد بني بنيانا لم ير مثله ، وكان عنده ثلاثمائة وستون رجلا من الحزاة من بين كاهن وساحر ومنجم ، وكان فيهم رجل من العرب اسمه السايب ، بعث به باذان من اليمن  ، وكان   كسرى  إذا أحزنه أمر جمعهم فقال : انظروا في هذا الأمر ما هو . 
فلما بعث الله محمدا    - صلى الله عليه وسلم - أصبح   كسرى  وقد انقصم طاق ملكه من غير ثقل ، وانحرفت عليه دجلة العوراء  ، فلما رأى ذلك حزنه فقال : انقصم طاق ملكي من غير ثقل ، وانخرقت دجلة العوراء    " شاه بشكست " ، يقول : الملك انكسر . ثم دعا كهانه وسحاره ومنجميه ، وفيهم السايب ، فقال لهم : انظروا في هذا الأمر . فنظروا في أمره فأخذت عليه أقطار السماء وأظلمت الأرض ، فلم يمض لهم ما راموه ، وبات السايب في ليلة ظلماء على ربوة من الأرض ينظر ، فرأى برقا من قبل الحجاز  استطار فبلغ المشرق ، فلما أصبح رأى تحت قدميه روضة خضراء ، فقال فيما يعتاف : إن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز  سلطان يبلغ المشرق تخصب عليه الأرض كأفضل ما أخصبت على ملك . 
فلما خلص الكهان والمنجمون والسحار بعضهم إلى بعض ورأوا ما أصابهم ، ورأى السايب ما رأى ، قال بعضهم لبعض : والله ما حيل بينكم وبين علمكم إلا لأمر جاء من السماء ، وإنه لنبي بعث أو هو مبعوث يسلب هذا الملك ويكسره ، ولئن نعيتم  لكسرى  ملكه ليقتلنكم ، فاتفقوا على أن يكتموه الأمر وقالوا له : قد نظرنا فوجدنا أن وضع دجلة العوراء  وطاق الملك قد وضع على النحوس ، فلما اختلف الليل والنهار وقعت النحوس   [ ص: 435 ] مواقعها فزال كل ما وضع عليها ، وإنا نحسب لك حسابا تضع عليه بنيانك فلا يزول ، فحسبوا وأمروه بالبناء ، فبنى دجلة العوراء  في ثمانية أشهر فأنفق عليها أموالا جليلة حتى إذا فرغ منها قال لهم : أجلس على سورها ؟ قالوا : نعم ، فجلس في أساورته ، فبينما هو هناك انتسفت دجلة  البنيان من تحته فلم يخرج إلا بآخر رمق . فلما أخرجوه جمع كهانه وسحاره ومنجميه ، فقتل منهم قريبا من مائة وقال : قربتكم وأجريت عليكم الأرزاق ثم أنتم تلعبون بي ! فقالوا : أيها الملك أخطأنا كما أخطأ من قبلنا . ثم حسبوا له وبناه وفرغ منه وأمروه بالجلوس عليه ، فخاف فركب فرسا وسار على البناء فبينما هو يسير انتسفته دجلة  فلم يدرك إلا بآخر رمق ، فدعاهم وقال : لأقتلنكم أجمعين أو لتصدقوني . فصدقوه الأمر ، فقال : ويحكم هلا بينتم لي فأرى فيه رأيي ؟ قالوا : منعنا الخوف . فتركهم ولها عن دجلة  حين غلبته ، وكان ذلك سبب البطائح ، ولم تكن قبل ذلك وكانت الأرض كلها عامرة . 
فلما جاءت سنة ست من الهجرة أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   عبد الله بن حذافة السهمي  إلى   كسرى  ، فزادت الفرات  والدجلة  زيادة عظيمة لم ير قبلها ولا بعدها مثلها ، فانبثقت البثوق وانتسفت ما كان بناه   كسرى  واجتهد أن يكسرها فغلبه الماء ، كما بينا ، ومال إلى موضع البطائح فطما الماء على الزروع وغرق عدة طساسيج ، ثم دخلت العرب أرض الفرس ، وشغلتهم عن عملها بالحروب واتسع الخرق . فلما كان زمن  الحجاج  تفجرت بثوق أخر فلم يسدها مضارة للدهاقين لأنه اتهمهم بممالأة   ابن الأشعث  ، فعظم الخطب فيها وعجز الناس عن عملها ، فبقيت على ذلك إلى الآن . 
وقال   أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف     : بعث الله إلى   كسرى  ملكا وهو في بيت إيوانه الذي لا يدخل عليه فلم يرعه إلا به قائما على رأسه في يده عصا بالهاجرة في ساعته التي يقيل فيها ، فقال : يا   كسرى  أتسلم أو أكسر هذه العصا ؟ فقال : بهل بهل ! وانصرف عنه فدعا بحراسه وحجابه فتغيظ عليهم وقال : من أدخل هذا الرجل ؟ فقالوا : ما دخل علينا أحد ولا رأيناه ! حتى إذا كان العام المقبل أتاه في تلك الساعة وقال له : أتسلم أو أكسر العصا ؟ فقال : بهل بهل ! وتغيظ على حجابه وحراسه . فلما كان العام   [ ص: 436 ] الثالث أتاه فقال : أتسلم أو أكسر العصا ؟ فقال : بهل بهل ! فكسر العصا ثم خرج . فلم يكن إلا تهور ملكه وانبعاث ابنه والفرس  حتى قتلوه . 
وقال   الحسن البصري     : قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له : يا رسول الله ما حجة الله على   كسرى  فيك ؟ قال : ( بعث إليه ملكا ، فأخرج يده إليه من جدار بيته تلألأ نورا ، فلما رآها فزع فقال له : لا ترع يا كسرى     ! إن الله قد بعث رسولا ، وأنزل عليه كتابا فاتبعه تسلم دنياك وآخرتك . قال : سأنظر )   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					