[ ص: 327 ]   364 
ثم دخلت سنة أربع وستين وثلاثمائة 
ذكر استيلاء  عضد الدولة  على العراق  وقبض  بختيار   
في هذه السنة وصل  عضد الدولة  واستولى على العراق  ، وقبض  بختيار  ثم عاد فأخرجه . 
وسبب ذلك أن  بختيار  لما تابع كتبه إلى  عضد الدولة  يستنجده ، ويستعين به على الأتراك  ، وسار إليه في عساكر فارس  ، واجتمع به  أبو الفتح بن العميد  ، وزير أبيه  ركن الدولة  ، في عساكر الري  بالأهواز  ، وساروا إلى واسط    . فلما سمع  الفتكين  بخبر وصولهم رجع إلى بغداذ  ، وعزم على أن يجعلها وراء ظهره ، ويقاتل على ديالى    . 
ووصل  عضد الدولة  فاجتمع به  بختيار  ، وسار  عضد الدولة  إلى بغداذ  في الجانب الشرقي ، وأمر  بختيار  أن يسير في الجانب الغربي . 
ولما بلغ الخبر إلى  أبي تغلب  بقرب  الفتكين  منه عاد عن بغداذ  إلى الموصل  لأن أصحابه شغبوا عليه ، فلم يمكنه المقام ، ووصل  الفتكين  إلى بغداذ  ، فحصل محصورا من جميع جهاته ، وذلك أن  بختيار  كتب إلى  ضبة بن محمد الأسدي  ، وهو من أهل عين التمر   ، وهو الذي هجاه   المتنبي  ، فأمره بالإغارة على أطراف بغداذ  ، وبقطع الميرة عنها ، وكتب بمثل ذلك إلى بني شيبان    . 
وكان   أبو تغلب بن حمدان  من ناحية الموصل  يمنع الميرة وينفذ سراياه ، فغلا السعر ببغداذ  ، وثار العيارون  والمفسدون فنهبوا الناس ببغداذ  ، وامتنع الناس من المعاش لخوف   [ ص: 328 ] الفتن ، وعدم الطعام والقوت بها ، وكبس  الفتكين  المنازل في طلب الطعام . 
وسار  عضد الدولة  نحو بغداذ  ، فلقيه  الفتكين  والأتراك  بين ديالى  والمدائن  ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وانهزم الأتراك  فقتل منهم خلق كثير ، ووصلوا إلى ديالى  فعبروا على جسور كانوا عملوها عليه ، فغرق منهم أكثرهم من الزحمة ، وكذلك قتل وغرق من العيارين  الذين أعانوهم من بغداذ  ، واستباحوا عسكرهم ، وكانت الوقعة رابع عشر جمادى الأولى . 
وسار الأتراك  إلى تكريت  ، وسار  عضد الدولة  فنزل بظاهر بغداذ  ، فلما علم وصول الأتراك  إلى تكريت  دخل بغداذ  ونزل بدار المملكة ، وكان الأتراك  قد أخذوا الخليفة معهم كارها ، فسعى  عضد الدولة  حتى رده إلى بغداذ  ، فوصلها ثامن رجب في الماء وخرج  عضد الدولة  فلقيه في الماء أيضا ، وامتلأت دجلة  بالسميريات والزبازب ، ولم يبق ببغداذ  أحد ، ولو أراد إنسان أن يعبر دجلة  على السميريات من واحدة إلى أخرى لأمكنه ذلك لكثرتها ، وسار  عضد الدولة  مع الخليفة وأنزله بدار الخلافة . 
وكان  عضد الدولة  قد طمع في العراق  ، واستضعف  بختيار  ، وإنما خاف أباه  ركن الدولة  ، فوض جند  بختيار  على أن يثوروا به ويشغبوا عليه ، ويطالبوه بأموالهم والإحسان لأجل صبرهم مقابل الأتراك  ، ففعلوا ذلك وبالغوا ، وكان  بختيار  لا يملك قليلا ولا كثيرا ، وقد نهب البعض ، وأخرج هو الباقي ، والبلاد خراب ، فلا تصل يده إلى أخذ شيء منها . 
وأشار  عضد الدولة  على  بختيار  بترك الالتفات إليهم ، والغلظة لهم وعليهم ، وأن لا يعدهم بما لا يقدر عليه ، وأن يعرفهم أنه لا يريد الإمارة والرئاسة عليهم ، ووعده أنه إذا فعل ذلك توسط الحال بينهم على ما يريده . فظن  بختيار  أنه ناصح له ، مشفق عليه ، ففعل ذلك ، واستعفى من الإمارة ، وأغلق باب داره ، وصرف كتابه وحجابه ،   [ ص: 329 ] فراسله  عضد الدولة  ظاهرا بمحضر من مقدمي الجند يشير عليه بمقاربتهم ، وتطييب قلوبهم ، وكان أوصاه سرا أن لا يقبل منه ذلك . فعمل  بختيار  بما أوصاه ، وقال : لست أميرا لهم ، ولا بيني وبينهم معاملة ، وقد برئت منهم . فترددت الرسل بينهم ثلاثة أيام ،  وعضد الدولة  يغريهم به ، والشغب يزيد ، وأرسل  بختيار  إليه يطلب نجاز ما وعده به ، ففرق الجند على عدة جميلة ، واستدعى  بختيار  وإخوته إليه ، فقبض عليهم ، ووكل بهم ، وجمع الناس وأعلمهم استعفاء  بختيار  عن الإمارة عجزا عنها ، ووعدهم الإحسان والنظر في أمورهم فسكنوا إلى قوله . وكان قبضه على  بختيار     [ في ] السادس ( والعشرين من ) جمادى الآخرة . 
وكان الخليفة  الطائع لله  نافزا عن  بختيار  لأنه كان مع الأتراك  في حروبهم ، فلما بلغه قبضه سره ذلك ، وعاد إلى  عضد الدولة  ، فأظهر  عضد الدولة  من تعظيم الخلافة ما كان قد نسي وترك ، وأمر بعمارة الدار ، والإكثار من الآلات ، وعمارة ما يتعلق بالخليفة ، وحماية أقطاعه ، ولما دخل الخليفة إلى بغداذ  ودخل دار الخلافة أنفذ إليه  عضد الدولة  مالا كثيرا ، وغيره من الأمتعة والفرش وغير ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					