مسألة : ( ففي ثلاث منها دم ، وفي كل واحد مما دونها مد طعام ، وهو ربع الصاع ) . 
وجملة ذلك : أنه متى أزال شعره أو ظفره    : فعليه الفدية سواء كان لعذر ، أو   [ ص: 8 ] لغير عذر . وإنما يفترقان في إباحة ذلك وغيره من الأحكام . 
وأما الفدية : فتجب فيهما لأن الله سبحانه قال : ( ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك    ) فجوز لمن مرض فاحتاج إلى حلق الشعر ، أو آذاه قمل برأسه : أن يحلق ويفتدي بصيام ، أو صدقة ، أو نسك فلأن يجب ذلك على من فعله لغير عذر أولى . 
وعن  عبد الله بن معقل  قال : " جلست إلى  كعب بن عجرة  فسألته عن الفدية فقال : نزلت في خاصة وهي لكم عامة حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى ، أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى ! تجد شاة ؟ فقلت : لا ، قال : فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع   " متفق عليه . 
وعن  عبد الرحمن بن أبي ليلى  عن  كعب بن عجرة  قال : " أتى علي   [ ص: 9 ] رسول الله زمن الحديبية وأنا أوقد تحت قدري والقمل يتناثر على وجهي فقال : أيوذيك هوام رأسك ؟ قال : قلت : نعم ، قال : فاحلق ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك نسيكة لا أدري بأي ذلك بدأ   " متفق عليه ، وهذا لفظ مسلم    .  وللبخاري    : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رآه وأنه يسقط قمله على وجهه ، فقال : أيوذيك هوامك ؟ قلت : نعم ، فأمره أن يحلق وهو بالحديبية  ، ولم يتبين لهم أنهم يحلون بها وهم على طمع أن يدخلوا مكة  ، فأنزل الله الفدية ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطعم فرقا بين ستة ، أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام   " . 
 ولمسلم    : " أتى علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية ، فقال : كأن هوام رأسك تؤذيك ؟ فقلت : أجل ، قال : فاحلقه واذبح شاة ، أو صم ثلاثة أيام ، أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين   " وفي رواية له : " فاحلق رأسك وأطعم فرقا بين ستة مساكين - والفرق ثلاثة آصع أو صم ثلاثة   [ ص: 10 ] أيام ، أو انسك نسيكة   " وفي رواية له : فقال : له النبي - صلى الله عليه وسلم - " احلق ثم اذبح شاة نسكا ، أو صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ثلاثة آصع تمر على ستة مساكين   " . 
وفي رواية  لأبي داود    : " فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي : "احلق رأسك وصم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين فرقا من زبيب ، أو انسك شاة . فحلقت رأسي ثم نسكت   " . 
ثم الكلام فيما يوجب الدم وما دونه : - 
أما ما يوجب الدم    : ففيه ثلاث روايات ، إحداها أنه لا يجب إلا في خمس شعرات ، وخمسة أظفار حكاها ابن أبي موسى،  وهذا اختيار أبي بكر  ؛ لأن الأظفار الخمسة أظفار يد كاملة فوجب أن يتعلق بها كمال الجزاء كما يتعلق كمال اليد بخمسة أصابع ، وما دون ذلك ناقص عن الكمال . وإذا لم تجب كمال الفدية إلا في خمسة أصابع فأن لا تجب إلا في خمس شعرات أولى . 
والثانية أنه لا يجب إلا في أربعة فصاعدا، وهي اختيار الخرقي  فقال - في رواية المروذي    - قال : كان  عطاء  يقول : إذا نتف ثلاث شعرات فعليه دم ، وكان  ابن عيينة  يستكثر الدم في ثلاث ولست أوأقت   [ ص: 11 ] فإذا نتف متعمدا أكثر من ثلاث شعرات متعمدا فعليه دم . والناسي والمتعمد سواء . 
والثالثة : يجب في ثلاث فصاعدا ، وهي اختيار القاضي وأصحابه ، قال - في رواية حنبل    - : إذا نتف المحرم ثلاث شعرات  أهراق لهن دما ، فإذا كانت شعرة أو اثنتين كان فيهما قبضة من طعام . والأظفار كالشعر في ذلك - وأولى - فيها الروايات الثلاث . 
قال : في رواية مهنا في محرم قص أربعة أصابع من يده  فعليه دم . 
قال  عطاء    : في شعرة مد ، وفي شعرتان مدان ، وفي ثلاث شعرات فصاعدا دم ، والأظفار أكثر من ثلاث شعرات . 
ولو قطعها في أوقات متفرقة وكفر عن الأول فلا كلام . وإن لم يكفر ضم بعضها إلى بعض ووجب فيها ما يجب فيها لو قطعها في وقت واحد ، فيجب الدم في الثلاث ، أو الأربع ، أو الخمس   [ ص: 12 ] وأما ما لا يوجب الدم ففيه روايتان منصوصتان ورواية مخرجة . 
إحداهن : في كل شعرة وظفر مد ، قال : في رواية  أبي داود  إذا نتف شعرة أطعم مدا ، وهذا اختيار عامة أصحابنا ؛ الخرقي  ، وأبي بكر  ، وابن أبي موسى  ، والقاضي وأصحابه وغيرهم . 
والثانية : قبضة من طعام ؛ قال : في رواية حنبل    - : إذا كانت شعرة ، أو اثنتين : كان فيهما قبضة من طعام ؛ ثم من أصحابنا من يقول : في كل شعرة قبضة من طعام ، وظاهر كلامه : أن في الشعرتين قبضة من طعام . 
والثالثة خرجها القاضي ومن بعده من قوله : فيمن ترك ليلة من ليالي منى   [ ص: 13 ] أنه يتصدق بدرهم ، أو نصف درهم . وكذلك خرجوا في ترك ليلة من ليالي منى  وحصاة من حصى الجمار ما في حلق شعرة وظفر ، فجعلوا الجميع بابا واحدا ، قالوا : لأن كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة يتعلق وجوب الدم بجميعه ، ويتعلق ببعضه وجوب الصدقة . 
ووجه الأول أن أقل ما يتقدر بالشرع من الصدقات : طعام مسكين ، وطعام المسكين مد ، فعلى هذا يخير بين مد بر أو نصف تمر أو شعير . وظاهر كلامه هنا : أنه يجزئه من الأصناف كلها مد ، فإن أحب أن يصوم يوما ، أو يخرج ثلث شاة . 
وإن قطع بعض شعرة أو ظفر : ففيه ما في جميعها في المشهور . وفيه وجه : أنه يجب بالحساب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					