( 4323 ) فصل : القسم الرابع ، القرب التي يختص فاعلها بكونه من أهل القربة  ، يعني أنه يشترط كونه مسلما ، كالإمامة ، والأذان ، والحج ، وتعليم القرآن 
نص عليه  أحمد    . وبه قال  عطاء  ،  والضحاك بن قيس  ،  وأبو حنيفة  ، والزهري    . وكره الزهري  ، وإسحاق  تعليم القرآن بأجر    . وقال عبد الله بن شقيق    : هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت . وممن كره أجرة التعليم مع الشرط : الحسن  ،  وابن سيرين  ،  وطاوس  ، والشعبي  ،  والنخعي  
وعن  أحمد  ، رواية أخرى ، يجوز ذلك . حكاها  أبو الخطاب    . ونقل أبو طالب  ، عن  أحمد  ، أنه قال : التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين ، ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة ، ومن أن يستدين ويتجر ، لعله لا يقدر على الوفاء ، فيلقى الله تعالى بأمانات الناس ، التعليم أحب إلي . وهذا يدل على أن منعه منه في موضع منعه للكراهة ، لا للتحريم . وممن أجاز ذلك  مالك  ،  والشافعي    . ورخص في أجور المعلمين   أبو قلابة   وأبو ثور  ،  وابن المنذر    ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا بما معه من القرآن متفق عليه . 
وإذا جاز تعليم القرآن عوضا في باب النكاح ، وقام مقام المهر ، جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله   } . حديث صحيح . وثبت { أن  أبا سعيد  رقى رجلا بفاتحة الكتاب على جعل فبرأ ، وأخذ أصحابه الجعل ، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، وسألوه ، فقال : لعمري لمن أكل برقية باطل ، لقد أكلت برقية حق ، كلوا واضربوا لي معكم بسهم   } 
ولذا جاز أخذ الأجر ; لأنه في معناه ، ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال ، فجاز أخذ الأجر عليه ، كبناء المساجد والقناطر ، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك ، فإنه يحتاج إلى الاستنابة في الحج عمن وجب عليه الحج وعجز عن فعله ، ولا يكاد يوجد متبرع بذلك ، فيحتاج إلى بذل الأجر فيه . ووجه الرواية الأولى ، ما روى  عثمان بن أبي العاص  ، قال : { إن آخر ما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا   } قال الترمذي    : هذا حديث حسن 
. وروى  عبادة بن الصامت  ، قال : علمت  [ ص: 324 ] ناسا من أهل الصفة  القرآن والكتابة ، فأهدى إلي رجل منهم قوسا ، قال : قلت : قوس وليست بمال . قال : قلت أتقلدها في سبيل الله . فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم . وقص عليه القصة ، قال : { إن سرك أن يقلدك الله قوسا من نار ، فاقبلها   } . وعن أبي بن كعب  ، أنه { علم رجلا سورة من القرآن ، فأهدى إليه خميصة أو ثوبا ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : لو أنك لبستها ، أو أخذتها ، ألبسك الله مكانها ثوبا من نار   } 
وعن أبي  ، قال : { كنت أختلف إلى رجل مسن ، قد أصابته علة ، قد احتبس في بيته أقرئه القرآن ، فكان عند فراغه مما أقرئه يقول لجارية له : هلمي بطعام أخي . فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة  ، فحاك في نفسي منه شيء ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله ، فكل منه ، وإن كان يتحفك به ، فلا تأكله   } . وعن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري  ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { اقرءوا القرآن ، ولا تغلوا فيه ، ولا تجفوا عنه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به   } 
روى هذه الأحاديث كلها  الأثرم  ، في " سننه " . ولأن من شرط صحة هذه الأفعال ، كونها قربة إلى الله تعالى ، فلم يجز أخذ الأجر عليها ، كما لو استأجر قوما يصلون خلفه الجمعة أو التراويح    . فأما الأخذ على الرقية  ، فإن  أحمد  اختار جوازه ، وقال : لا بأس . وذكر حديث  أبي سعيد    . والفرق بينه وبين ما اختلف فيه ، أن الرقية نوع مداواة ، والمأخوذ عليها جعل ، والمداواة يباح أخذ الأجر عليها ، والجعالة أوسع من الإجارة ، ولهذا تجوز مع جهالة العمل والمدة 
وقوله عليه السلام : { أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله   } . يعني به الجعل أيضا في الرقية ; لأنه ذكر ذلك في سياق خبر الرقية . وأما جعل التعليم صداقا  فعنه فيه اختلاف ، وليس في الخبر تصريح بأن التعليم صداق ، إنما قال صلى الله عليه وسلم : { زوجتكها على ما معك من القرآن   } . فيحتمل أنه زوجه إياها بغير صداق ، إكراما له ، كما زوج  أبا طلحة  أم سليم  على إسلامه ، ونقل عنه جوازه 
والفرق بين المهر والأجر ، أن المهر ليس بعوض محض ، وإنما وجب نحلة ووصلة ، ولهذا جاز خلو العقد عن تسميته ، وصح مع فساده ، بخلاف الأجر في غيره ، فأما الرزق من بيت المال ، فيجوز على ما يتعدى نفعه من هذه الأمور ; لأن بيت المال لمصالح المسلمين ، فإذا كان بذله لمن يتعدى نفعه إلى المسلمين محتاجا إليه ، كان من المصالح ، وكان للآخذ له أخذه ; لأنه من أهله ، وجرى مجرى الوقف على من يقوم بهذه المصالح ، بخلاف الأجر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					