( 5386 ) مسألة ; قال : ( وحرائر نساء أهل الكتاب وذبائحهم  حلال للمسلمين ) ليس بين أهل العلم ، بحمد الله ، اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب . وممن روي عنه ذلك  عمر  ،  وعثمان  ،  وطلحة  ،  وحذيفة   وسلمان  ،  وجابر  ، وغيرهم . قال  ابن المنذر    : ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك . وروى  الخلال  ، بإسناده ، أن  حذيفة  ،  وطلحة  ، والجارود بن المعلى  ، وأذينة العبدي  ، تزوجوا نساء من أهل الكتاب    . وبه قال سائر أهل العلم . 
وحرمته الإمامية  ، تمسكا بقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن    } ، { ولا تمسكوا بعصم الكوافر    } ، ولنا ، قول الله تعالى { اليوم أحل لكم الطيبات  إلى قوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن    } . وإجماع الصحابة ، فأما قوله سبحانه { ولا تنكحوا المشركات    } . فروي عن  ابن عباس  أنها نسخت بالآية التي في سورة المائدة . 
وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الآية الأخرى ; لأنهما متقدمتان ، والآية التي في أول المائدة متأخرة عنهما . وقال آخرون : ليس هذا نسخا ، فإن لفظة المشركين بإطلاقها لا تتناول أهل الكتاب ، بدليل قوله سبحانه { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين    } . وقال { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين    } . وقال {    : لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين  [ ص: 100 ] أشركوا    } . وقال {    : ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين    } . 
وسائر آي القرآن يفصل بينهما ، فدل على أن لفظة المشركين بإطلاقها غير متناولة لأهل الكتاب ، وهذا معنى قول  سعيد بن جبير  ،  وقتادة  ، ولأن ما احتجوا به عام في كل كافرة ، وآيتنا خاصة في حل أهل الكتاب ، والخاص يجب تقديمه . إذا ثبت هذا ، فالأولى أن لا يتزوج كتابية ; لأن  عمر  قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب : طلقوهن . فطلقوهن إلا  حذيفة  ، فقال له  عمر    : طلقها . قال : تشهد أنها حرام ؟ قال : هي جمرة ، طلقها . قال : تشهد أنها حرام ؟ قال : هي جمرة . قال : قد علمت أنها جمرة ، ولكنها لي حلال . فلما كان بعد طلقها ، فقيل له : ألا طلقتها حين أمرك  عمر  ؟ قال : كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي لي . ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته ، وربما كان بينهما ولد فيميل إليها . ( 5387 ) فصل : وأهل الكتاب  الذين هذا حكمهم ، هم أهل التوراة والإنجيل . قال الله تعالى : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا    } . فأهل التوراة اليهود والسامرة ، وأهل الإنجيل النصارى ، ومن وافقهم في أصل دينهم من الإفرنج والأرمن وغيرهم . 
وأما الصابئون  فاختلف فيهم السلف كثيرا ، فروي عن  أحمد  أنهم جنس من النصارى . ونص عليه  الشافعي  ، وعلق القول فيهم في موضع آخر . وعن  أحمد  أنه قال : بلغني أنهم يسبتون . فهؤلاء إذا يشبهون اليهود . والصحيح فيهم أنهم إن كانوا يوافقون النصارى أو اليهود في أصل دينهم ، ويخالفونهم في فروعه ، فهم ممن وافقوه ، وإن خالفوهم في أصل الدين ، فليس هم منهم . والله أعلم . 
وأما من سوى هؤلاء من الكفار ، مثل المتمسك بصحف إبراهيم  ، وشيث  وزبور داود   ، فليسوا بأهل كتاب ، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم . وهذا قول  الشافعي    . وذكر  القاضي  فيهم وجها آخر ، أنهم من أهل الكتاب ، وتحل ذبائحهم ، ونكاح نسائهم ، ويقرون بالجزية ; لأنهم تمسكوا بكتاب من كتب الله عز وجل ، فأشبهوا اليهود والنصارى . ولنا ، قول الله تعالى {    : أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا    } . ولأن تلك الكتب كانت مواعظ وأمثالا ، لا أحكام فيها ، فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على الأحكام . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					