لا تمنن بحسناتك على الله تعالى مستكثرا لها أي رائيا إياها كثيرة فتنقص عند الله عز وجل وعد من استكثار الحسنات بعض السادة رؤية أنها حسنات وعدم خشية الرد والغفلة عن كونها منه تعالى حقيقة . وعن ابن زيد لا تمنن بما أعطاك الله تعالى من النبوة والقرآن مستكثرا به أي طالبا كثير الأجر من الناس وعن مجاهد لا تضعف عن عملك مستكثرا لطاعتك فتمنن من قولهم حبل منين أي ضعيف، ويتضمن هذا المعنى ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: أي لا تقل قد دعوتهم فلم يقبل مني عد فادعهم . وقرأ الحسن وابن أبي عبلة «تستكثر» بسكون الراء وخرج على أنه جزم والفعل بدل من تمنن المجزوم بلا الناهية كأنه قيل ولا تمنن لا تستكثر لأن من شأن المان بما يعطي أن يستكثره أي يراه كثيرا ويعتد به وهو بدل اشتمال، وقيل بدل كل من كل على دعاء الاتحاد .
وفي [ ص: 120 ] الكشف الإبدال من تمنن على أن المن هو الاعتداد بما أعطى لا الإعطاء نفسه فيه لطيفة لأن الاستكثار مقدمة المن فكأنه قيل: لا تستكثر فضلا عن المن . وجوز أن يكون سكون وقف حقيقة أو بإجراء الوصل مجراه أو سكون تخفيف على أن شبه ثر و =بعضد فسكن الراء الواقعة بين الثاء وواو ولربك كما سكنت الضاد وليس بذاك والجملة عليه في موضع الحال وقرأ الحسن أيضا والأعمش «تستكثر» بالنصب على إضمار أن كقولهم مره يحفرها أي أن يحفرها وقوله:
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
في رواية نصب أحضر وقرأ ابن مسعود «أن تستكثر» بإظهار أن فالمن بمعنى الإعطاء والكلام على إرادة التعليل أي ولا تعط لأجل أن تستكثر أي تطلب الكثير ممن تعطيه وأيد به إرادة المعنى الأول في قراءة الرفع، وجوز الزمخشري في تلك القراءة أن يكون الرفع لحذف أن وإبطال عملها كما روي أحضر الوغى بالرفع فالجملة حينئذ ليست حالية، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يجوز حمل القرآن على ذلك إذ لا يجوز ما ذكر ( إلا ) في الشعر ولنا مندوحة عنه مع صحة معنى الحال، ورد بأن المخالف للقياس بقاء عملها بعد حذفها، وأما الحذف والرفع فلا محذور فيه وقد أجازه النحاة ومنه: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه .


