الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج   قد بين في الآية السابقة بعض أحكام الحج ، وفي هذه الآية الكريمة يبين ميقاته ، وما ينبغي للمؤمن في وقت حجه . 
وقوله تعالى : الحج أشهر معلومات  أي وقت الحج  أشهر معلومات ، وإنما جعلت النسبة إلى الحج نفسه ، لا إلى وقته ، فكأن الإسناد إليه - للإشارة إلى أن هذه الأشهر لأنها ميقات تلك العبادة المقدسة ، تكتسب تقديسا منها ، وكأنها هي . 
والأشهر المعلومات اتفق على أن منها شوالا وذا القعدة والعشرة الأولى من ذي الحجة ; واختلف في العشرين الأخيرة أهي منها أم ليست منها ؟ وعلى أنها ليست منها الأكثرون والصحاح من الروايات . 
وإن هذه الأشهر سميت أشهر الحج ; لأن أركانه تستوفى فيها ، وتؤخذ الأهبة له فيها ، ويحرم به فيها ; ولكن قال  أبو حنيفة   ومالك   والشافعي   : يصح الإحرام بالحج قبلها ; وذلك رأي جمع من التابعين ; ورأى  الشافعي  تابعا لبعض الصحابة والتابعين أن الإحرام بالحج لا يكون إلا في أشهره ، كما أن نية الصيام لا تكون إلا في رمضان ، وكما أن نية الصلاة لا تكون إلا وقت أدائها ; وإن ذلك هو ما يشير إليه قوله تعالى فمن فرض فيهن الحج  إذ جعلهن وعاء الفرض وظرفه . 
ومعنى فرض الحج فيهن الإحرام به ; فإذا أحرم بالحج نزه نفسه ولسانه عن كل قول يؤدي إلى نزاع ; ولذا قال سبحانه : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال  وقد فسر بعض العلماء الرفث بما يكون بين الرجل والمرأة ; والفسوق بالخروج عن  [ ص: 615 ] محظورات الحج ، كلبس المخيط والحلق من غير رخصته ، والصيد ، وغير ذلك مما حظر الله سبحانه . والجدال هو المماراة . 
وقد فسر بعض العلماء الرفث بأنه النطق بالفحش مما يكون بين الرجل والمرأة وغيره ; والفسوق بالسباب ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر  " . والجدال : المماراة والمنازعة . 
وعندي أن مرمى القول الكريم هو النهي عن كل قول يجعل اللسان غير نزه ، وكل قول يؤدي إلى النزاع ، والجدال يؤدي إلى الخصام ; لأنهم اجتمعوا على مائدة الرحمن الروحية ليتعارفوا ، وليتلاقوا ، وليقوى اتحادهم ، ويعتزوا بعزة الله ، فيجب اجتناب كل ما يؤدي إلى النزاع والخصام   . 
وما تفعلوا من خير يعلمه الله  وإذا كنتم قد تنزهتم في حجكم عن كل شر فاعلموا أنكم اجتمعتم لعمل الخير ، فتنافسوا فيه ، وتبادلوا النفع ، وليتعرف الشرقي حال الغربي ، واعملوا على ما يقوي جمعكم ، ويزيل الضر عنكم ، ويدفع عنكم كيد الكائدين ; فإن الحج الذي يزكي نفوسكم لا يثمر ثمرته ، ولا ينتهي إلى غايته ، إلا إذا اعتبرتموه المؤتمر الأكبر لدولتكم ، والمجتمع الأعظم لممثلي أمتكم ; وإن الوادي المقدس هو ناديكم الذي اجتمعتم فيه ; واعلموا أن خيركم محسوب لكم وما تفعلوا من خير يعلمه الله  سبحانه ، فيعرف المحسن والمسيء ، وحسب المحسن فضلا أن يعرف الله فضله ، وأن يكون عنده من الأخيار الأبرار ، وأن يكون عمله مقدورا من ربه ، مذكورا عنده ; ثم إنه يجازي الإحسان إحسانا ، وما عنده خير وأبقى . 
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب  التزود هنا معنوي نفسي ، لا مادي مالي ; فالتزود : الإكثار من التقوى ، وتهذيب النفس ، وإشعار المؤمن بمودة المؤمن ، وتوثيق العلاقة به ، والتحاب على مائدة الرحمن ، وتحت سلطان الديان . والدليل على أن الزاد معنوي لا مادي قوله سبحانه من بعد معللا  [ ص: 616 ] لطلبه ، مثبتا الحكمة من أمره : فإن خير الزاد التقوى  ففي الكلام استعارة ، وهو تشبيه التقوى والمودة والمحبة والإخلاص الذي يملأ قلب الحاج بالزاد المادي ; لأن الأول غذاء القلوب ، كما أن هذا غذاء الأجسام . 
ولقد قال بعض العلماء إن التزود مادي ، وهو نهي للحجاج الذين لا يتزودون في حجهم ويتكففون الناس  ، وقد كان يفعل ذلك أهل اليمن  فنهوا عنه . 
ولكن المعنى الواضح من الآية هو الأول ; ولذلك أردفت الآية بالأمر بالتقوى أمرا عاما فقال سبحانه : واتقون يا أولي الألباب  أي اتخذوا من عمل الخير واجتناب الشر ، والقيام بالطاعات والامتناع عن المنهيات وقاية من غضبي ، وخص ذوي الألباب بالنداء ، وهم ذوو العقول المدركة الواعية للإشارة إلى أن من لا يتقي الله ليس عنده لب يدرك ، ولا قلب يعي ، ولا إرادة تعمل على مقتضى العقل والحكمة   . إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار ، والله سبحانه وتعالى هو العليم الخبير . 
* * * 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					