كتاب الأيمان 
بالفتح جمع يمين وهو الحلف والقسم والإيلاء ألفاظ مترادفة  ،  وأصلها في اللغة اليد اليمنى لأنهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه . 
وهي في الشرع بالنظر لوجوب تكفيرها تحقيق أمر محتمل بما يأتي  ،  وتسمية الحلف بنحو الطلاق  يمينا شرعية غير بعيد  ،  فخرج بالتحقيق لغو اليمين  ،  وبالمحتمل نحو لأموتن أو  [ ص: 174 ] لا أصعد السماء لعدم تصور الحنث فيه بذاته فلا إخلال فيه بتعظيم اسم الله تعالى  ،  بخلاف لا أموت ولأصعدن السماء ولأقتلن الميت فإنه يمين يجب تكفيرها حالا ما لم يقيد الأخيرة بوقت كغد فيكفر غدا وذلك لهتكه حرمة الاسم  ،  ولا ترد هذه على التعريف لفهمها منه بالأولى إذ المحتمل له فيه شائبة عذر باحتمال الوقوع وعدمه  ،  بخلاف هذا فإنه عند حلفه هاتك حرمة الاسم لعلمه باستحالة البر فيه  ،  وشرط الحالف  يعلم مما مر في الطلاق وغيره  ،  بل ومما يأتي من التفصيل بين القصد وعدمه وهو مكلف أو سكران مختار قاصد  ،  فخرج صبي ومجنون ومكره وساه . 
والأصل في الباب قبل الإجماع آيات قوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم    } الآية  ،  وقوله { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا    } وأخبار منها { أنه صلى الله عليه وسلم كان يحلف لا ومقلب القلوب   } وقوله { والله لأغزون قريشا  ثلاث مرات  ،  ثم قال في الثالثة إن شاء الله   } رواه أبو داود    ( لا تنعقد ) اليمين ( إلا بذات الله تعالى )  أي اسم دال عليها وإن دل على صفة معها ( أو صفة له ) وستأتي  ،  فالأول ( كقوله والله ورب العالمين ) أي مالك المخلوقات لأن كل مخلوق دال على وجود خالقه  ،  والعالم بفتح اللام كل المخلوقات ( والحي الذي لا يموت ومن نفسي بيده ) أي قدرته يصرفها كيف شاء ومن فلق الحبة ( وكل اسم مختص به سبحانه وتعالى ) كالإله ومالك يوم الدين لأن الأيمان منعقدة بمن علمت حرمته ولزمت طاعته  ،  وإطلاق هذا مختص بالله تعالى فلا تنعقد بمخلوق كوحق النبي  [ ص: 175 ] والكعبة  وجبريل  ،  ويكره لخبر { إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم  ،  فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت   } قال  الشافعي    : وأخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية  ،  نعم لو اعتقد تعظيمه كما يعظم الله كفر  ،  وما صرح به المصنف  من أن الجلالة الكريمة اسم للذات هو الصحيح  ،  ولهذا تجري عليه الصفات فتقول الله الرحمن الرحيم  ،  وقيل هو اسم للذات مع جملة الصفات . فإذا قلت الله فقد ذكرت جملة صفات الله تعالى  ،  وإدخاله الباء على المقصور عليه صحيح إذ هو لغة كما مر في نظائره وإن كان الأفصح دخولها على المقصور الذي عبر به هنا في الروضة  ،  ودعوى تصويب حصر دخولها على المقصور فقط لأن معنى كلامه لا يسمى به غير الله وهو المراد هنا  ،  وأما كلام الروضة فمعناه يسمى الله به ولا يسمى بغيره وليس مرادا مردودة . 
وأورد على المصنف  اليمين الغموس وهي أن يحلف على ماض كاذبا عامدا فإنها يمين بالله ولا تنعقد لأن الحنث اقترن بها ظاهرا وباطنا  ،  ورد بأنه اشتباه نشأ من توهم أن المحصور الأخير والمحصور فيه الأول  ،  وليس كذلك بل المقرر أن المحصور فيه هو الجزء الأخير  ،  فانعقادها هو المحصور واسم الذات أو الصفة هو المحصور فيه  ،  فمعناه كل يمين منعقدة لا تكون إلا  [ ص: 176 ] باسم ذات أو صفة وهذا حصر صحيح  ،  لا أن كل ما هو باسم الله أو صفته لا يكون إلا منعقدا على أن جمعا متقدمين ذهبوا إلى انعقادها ( ولا يقبل ) باطنا ولا ظاهرا ( قوله : لم أرد به اليمين ) يعني لم أرد بما سبق من الأسماء والصفات لله تعالى لأنه نص في معناها لا تحتمل غيره  ،  أما لو قال في نحو بالله أو والله لأفعلن أردت بها غير اليمين كبالله أو والله المستعان أو وثقت أو استعنت بالله  ،  ثم ابتدأت بقولي لأفعلن فإنه يقبل ظاهرا لكن بالنسبة للحلف بالله دون عتق وطلاق وإيلاء فلا يقبل ظاهرا لتعلق حق الغير به   ( وما انصرف إليه سبحانه عند الإطلاق ) غالبا وإلى غيره بالتقييد    ( كالرحيم والخالق والرازق ) والمصور والجبار والمتكبر والحق والظاهر والقادر ( والرب تنعقد به اليمين ) لانصراف الإطلاق إليه تعالى وأل فيها للكمال ( إلا أن يريد ) بها ( غيره ) تعالى بأن أراده أو أطلق  ،  بخلاف ما لو أراد بها غيره لأنه قد يستعمل في ذلك كرحيم القلب وخالق الكذب . 
وما استشكل به من الرب بأل بأنه لا يستعمل في غيره تعالى فينبغي إلحاقه بالأول  ،  رد بأن أصل معناه في استعماله في غيره تعالى فصح قصده به  ،  وأل قرينة ضعيفة لا قوة لها على إلغاء ذلك القصد ( وما استعمل فيه وفي غيره ) تعالى ( سواء كالشيء والموجود والعالم ) بكسر اللام ( والحي والسميع والبصير والعليم والحكيم والغني ليس بيمين إلا بنية ) بأن أراده تعالى بها  ،  بخلاف ما إذا أراد بها غيره أو أطلق لأنها لما استعملت فيه وفي غيره سواء أشبهت كنايات الطلاق والاشتراك إنما يمنع الحرمة والتعظيم عند انتفاء النية  ،  وكثيرا ما يقع الحلف من العوام بالجناب الرفيع ويريدون به البارئ جل وعلا مع استحالة ذلك عليه  ،  إذ جناب الإنسان فناء داره فلا ينعقد وإن نوى به ذلك كما قاله أبو زرعة  لأن النية لا تؤثر مع الاستحالة ( و ) الثاني ويختص من الصفات بما لا شركة فيه وهو ( الصفة ) الذاتية وهي ( كوعظمة الله وعزته وكبريائه وكلامه  [ ص: 177 ] وعلمه وقدرته ومشيئته ) وإرادته ( يمين ) وإن أطلق لأنها صفات لم يزل سبحانه وتعالى متصفا بها فأشبهت الأسماء المختصة به ( إلا أن ينوي بالعلم المعلوم وبالقدرة المقدور ) وبالعظمة وما بعدها ظهور آثارها فلا يكون يمينا ويكون كأنه قال ومعلوم الله ومقدوره  ،  وكأن يريد بالكلام الحروف الدالة عليه وإطلاق كلامه عليها حقيقة شائعة في الكتاب والسنة فلا تكون يمينا لأن اللفظ محتمل لذلك  ،  وينعقد بكتاب الله وبالتوراة والإنجيل ما لم يرد الألفاظ كما هو واضح  ،  وبالقرآن ما لم يرد به نحو الخطبة  ،  وبالمصحف ما لم يرد به ورقه وجلده لأنه عند الإطلاق لا ينصرف عرفا إلا لما فيه من القرآن  ،  ويؤخذ منه عدم الفرق بين قوله والمصحف وحق المصحف  ،  وأخذ من كون العظمة صفة مع قول الناس سبحان من تواضع كل شيء لعظمته  ،  لأن التواضع للصفة عبادة لها ولا يعبد إلا الذات  ،  وهو مردود بأن العظمة هي المجموع من الذات والصفات  ،  فإن أريد بذلك هذا فصحيح أو مجرد الصفة فممتنع ولم يبينوا حكم الإطلاق  ،  والأوجه أنه لا منع فيه  ،  وعلم مما فسر به الصفة أن المراد بالاسم جميع أسمائه الحسنى التسعة والتسعين سواء اشتق من صفة ذاته كالسميع أو فعله كالخالق 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					