( قوله ومن قال مالي أو ما أملك في المساكين صدقة فهو على مال الزكاة ولو أوصى بثلث ماله فهو على كل شيء ) والقياس استواؤهما فيتصدق بالكل وبه قال زفر ولكنا فرقنا بينهما استحسانا باعتبار أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى بخلافها ; لأنها أخت الميراث تجري في كل مال الزكاة أطلقه في مال الزكاة فشمل جميع الأجناس كالسوائم والنقدين وعروض التجارة بلغت نصابا أو لا سواء كان عليه دين مستغرق لها أو لا ; لأن المعتبر جنس ما تجب فيه الزكاة مع قطع النظر عن قدرها وشروطها فإن قضى دينه لزمه أن يتصدق بعده بقدره وشمل الأرض العشرية عند الثاني لكونها مصرفها مصرف الزكاة ومنعه محمد لما فيها من معنى المؤنة ولذا وجب العشر في أرض الصبي والمكاتب والأوقاف وضم أبا حنيفة إليه في النهاية معزيا إلى التمرتاشي ولا تدخل الخراجية لتمحضها للمؤنة وخرج رقيق الخدمة ودور السكنى وأثاث المنازل وما كان من الحوائج الأصلية وتسوية المصنف بين قوله مالي وبين قوله ما أملك هو الصحيح ; لأنهما يستعملان استعمالا واحدا فكان فيهما القياس والاستحسان خلافا للبعض .
واختاره في المجمع وما صححناه تبعا للشارح هو مختار صاحب الهداية وذكر القاضي الإسبيجابي أن الفرق بين المال والملك إنما هو قول أبي يوسف وأبو حنيفة لم يفرق بينهما واختاره الطحاوي في مختصره وقيده بالتنجيز ; لأنه لو كان معلقا بالشرط [ ص: 48 ] نحو قوله مالي صدقة في المساكين إن فعلت كذا دخل المال القائم عند اليمين والحادث بعده وقيد بقوله فهو صدقة ; لأنه لو قال لله علي أن أهدي جميع مالي إن فعلت كذا أو جميع ملكي فإنه يدخل فيه جميع ما يملكه وقت الحلف بالإجماع فيجب أن يهدي ذلك كله إلا قدر قوته فإذا استفاد شيئا آخر تصدق بمثله كذا ذكر الإسبيجابي وفي حيل الولوالجية من آخرها رجل قال إن فعلت كذا فجميع ما أملكه صدقة في المساكين فأراد أن يفعل ولا يحنث يبيع جميع ما يملكه من رجل بثوب في منديل يقبضه ولم يره ثم يفعل ذلك ثم ينظر إلى الثوب ويرده بخيار الرؤية فلا يلزمه شيء . ا هـ .
وأشار بقوله فهو على مال الزكاة دون أن يقول يتصدق بمال الزكاة إلى أنه إذا لم يكن له مال سوى ما دخل تحت الإيجاب يمسك من ذلك قدر قوته فإذا أصاب شيئا بعد ذلك تصدق بمثل ما أمسك ; لأن حاجته مقدمة ولم يبين في المبسوط قدر ما يمسك ; لأن ذلك يختلف باختلاف العيال وباعتبار ما يتجدد له من التحصيل فيمسك أهل كل صنعة قدر ما يكفيه إلى أن يتجدد له شيء وقيد بالمال والملك من غير تعيين شيء للاحتراز عما إذا قال ألف درهم من مالي صدقة إن فعلت كذا ففعله وهو لا يملك الأمانة لا يلزمه إلا بقدر ما يملك رواه ابن سماعة عن محمد وكذا عن نصير وبه أخذ الفقيه وإن لم يكن له شيء لا يجب عليه شيء كذا في مآل الفتاوى من الإيمان والضمير في قوله فهو عائد إلى المال وكذا لو أوصى بماله ولا وارث له أو كان له وأجازها فإن الموصى له يستحق جميع ماله ثم اعلم أنه وقع في الهداية هنا أن الوصية خلافة كالوراثة وهو مشكل فإن المصرح به أن ملك الموصى له ليس بطريق الخلافة كملك الوارث قال الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء أن الموصى له ليس بخليفة عن الميت ولهذا لا يصح إثبات دين الميت عليه وإنما يصح على وارث أو وصي
ولو أوصى له بعبد اشتراه فوجد به الموصى له عيبا فإنه لا يرده بخلاف الوارث ويصير الوارث مغرورا لو استحقت الجارية بعد الولادة كالمورث بخلاف الموصى له ا هـ .
ولم أر أحدا من الشارحين بينه وقد ظهر لي أن صاحب الهداية أراد بالخلافة أن ملك كل منهما يكون بعد الموت لا بمعنى أنه قائم مقامه ومما يدل على عدم الخلافة ما في التلخيص بعد بيان أن ملكه ليس خلافه أنه يصح شراؤه ما باع الميت بأقل مما باع قبل نقد الثمن بخلاف الوارث وقدمنا تعريف المال أول كتاب البيوع ولا فرق في مسألة الكتاب بين أن يقول ثلث مالي للفقراء أو لفلان وكذا لو قال ثلثي لفلان أو سدسي فهو وصية جائزة وقيد بالوصية ; لأنه لو قال ثلث مالي وقف ولم يزد قال في البزازية من الوصايا إن ماله دراهم أو دنانير فقوله باطل وإن ضياعا صار وقفا على الفقراء ولو قال ثلث مالي لله تعالى فالوصية باطلة عندهما وعند محمد ينصرف إلى وجوه البر ولو قال ثلث مالي في سبيل الله فهو للغزو فإن أعطوه حاجا منقطعا جاز وفي النوازل لو صرف إلى سراج المسجد يجوز ا هـ .
وسيأتي تمامه في الوصايا إن شاء الله تعالى وهل يدخل تحت الوصية بالمال ما على الناس من الديون قالوا إن الدين ليس بمال حتى لو حلف أن لا مال له وله دين على الناس لم يحنث [ ص: 49 ] ولا شك أن الدين تجب الزكاة فيه بشرط القبض فينبغي أن يدخل تحت النذر بالمال ولكن في الخانية ولا تدخل الديون وفي كلام الشارح في الوصايا ما يفيد دخول الدين في الوصية بالمال ; لأنه يصير مالا بالاستيفاء فتناولته الوصية خصوصا قالوا إنها أخت الميراث وهو يجري فيهما وفي الجامع للصدر إن اشتريت بهذه الدراهم فهي صدقة واشترى بها يحنث قال إن بعت عبدا لي فثمنه صدقة صح نذره وقبضه شرط فإن مات عنده أو استهلكه قبل قبضه سقط وكذا بعده فيما يتعين رده دون غيره كالزكاة قال إن بعت هذا الكر وهذه المائة فهما صدقة وباع يتصدق بالكر دون الدراهم للتعين وعدمه وبمثلها لا نظيره إن نكحتهما وأحدهما محرمة أو اشتريتهما وأحدهما حر قالت إن تزوجت فمهري صدقة صح فإن ارتدت أو قبلت سقط قبل قبضه وكذا بعده فيما يتعين رده وعلى هذا الطلاق وفيما يتخير تتصدق بما تقبضه ا هـ .


