2583  [ ص: 139 ]  15 - باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط والشروط مع الناس 
 2731 و  2732  - حدثني  عبد الله بن محمد ،  حدثنا  عبد الرزاق ،  أخبرنا  معمر  قال : أخبرني  الزهري  قال : أخبرني  عروة بن الزبير ،  عن  المسور بن مخرمة ،   ومروان  يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه- قالا : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية ،  حتى كانوا ببعض الطريق قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن  خالد بن الوليد  بالغميم  في خيل لقريش  طليعة فخذوا ذات اليمين" . فوالله ما شعر بهم خالد  حتى إذا هم بقترة الجيش ، فانطلق يركض نذيرا لقريش ،  وسار النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان بالثنية  التي يهبط عليهم منها ، بركت به راحلته . فقال الناس : حل حل . فألحت ، فقالوا : خلأت القصواء ، خلأت القصواء . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل" ثم قال : "والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها" . ثم زجرها فوثبت ، قال : فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية  على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا ، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه ، وشكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش ، فانتزع سهما من كنانته ، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه ، فبينما هم كذلك ، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي  في نفر من قومه من خزاعة   -وكانوا عيبة نصح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل تهامة- فقال : إني تركت كعب بن لؤي  وعامر بن لؤي  نزلوا أعداد مياه الحديبية ،  ومعهم العوذ المطافيل ، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت .  فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنا جئنا معتمرين ، وإن قريشا  قد نهكتهم الحرب ، وأضرت بهم ، فإن شاءوا ماددتهم مدة ،  ويخلوا بيني وبين الناس ، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ، وإلا فقد جموا ، وإن هم أبوا ، فوالذي نفسي بيده ، لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ، ولينفذن الله أمره" . فقال بديل :  سأبلغهم ما 
 [ ص: 140 ] تقول . قال : فانطلق حتى أتى قريشا  قال : إنا قد جئناكم من هذا الرجل ، وسمعناه يقول قولا ، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ، فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء . وقال ذوو الرأى منهم : هات ما سمعته يقول . قال : سمعته يقول كذا وكذا ، فحدثهم بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقام عروة بن مسعود  فقال : أي قوم ، ألستم بالوالد ؟ قالوا : بلى . قال : أولست بالولد ؟ قالوا : بلى . قال : فهل تتهموني ؟ . قالوا : لا . قال : ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ ،  فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا : بلى . قال : فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد ، اقبلوها ودعوني آته . قالوا : ائته . فأتاه ، فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوا من قوله لبديل ،  فقال  عروة  عند ذلك : أي محمد ، أرأيت إن استأصلت أمر قومك ؟ هل سمعت بأحد من العرب  اجتاح أهله قبلك وإن تكن الأخرى ؟ فإني والله لأرى وجوها ، وإني لأرى أوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك . فقال له أبو بكر :  امصص ببظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه ؟! فقال : من ذا قالوا : أبو بكر .  قال : أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك . قال : وجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكلما تكلم أخذ بلحيته ،  والمغيرة بن شعبة  قائم على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه السيف وعليه المغفر ، فكلما أهوى  عروة  بيده إلى لحية النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب يده بنعل السيف ، وقال له : أخر يدك عن لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فرفع  عروة  رأسه فقال : من هذا ؟ قالوا :  المغيرة بن شعبة .  فقال : أي غدر ، ألست أسعى في غدرتك ؟ وكان المغيرة  صحب قوما في الجاهلية ، فقتلهم ، وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أما الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء" . ثم إن  عروة  جعل يرمق أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينيه . قال : فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له ، فرجع  عروة  إلى أصحابه ، فقال : أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك ، ووفدت على قيصر  
 [ ص: 141 ] وكسرى   والنجاشي ،  والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - محمدا ، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له ، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد ، فاقبلوها . فقال رجل من بني كنانة :  دعوني آته . فقالوا : ائته . فلما أشرف على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هذا فلان ، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له" . فبعثت له واستقبله الناس يلبون ، فلما رأى ذلك قال : سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ،  فلما رجع إلى أصحابه قال : رأيت البدن قد قلدت وأشعرت ، فما أرى أن يصدوا عن البيت .  فقام رجل منهم يقال له : مكرز بن حفص .  فقال : دعوني آته . فقالوا : ائته . فلما أشرف عليهم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هذا مكرز ،  وهو رجل فاجر" . فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فبينما هو يكلمه إذ جاء  سهيل بن عمرو .  قال  معمر :  فأخبرني  أيوب ،  عن عكرمة ،  أنه لما جاء  سهيل بن عمرو  قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد سهل لكم من أمركم" . قال  معمر :  قال  الزهري  في حديثه : فجاء  سهيل بن عمرو  فقال : هات ، اكتب بيننا وبينكم كتابا ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الكاتب ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "بسم الله الرحمن الرحيم" . قال سهيل :  أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب : باسمك اللهم . كما كنت تكتب . فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا : بسم الله الرحمن الرحيم . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اكتب باسمك اللهم" . ثم قال : "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" . فقال سهيل :  والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت  ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب : محمد بن عبد الله" . قال  الزهري :  وذلك لقوله "لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها" . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "على أن تخلوا بيننا وبين البيت  فنطوف به" . فقال سهيل :  والله لا تتحدث العرب  أنا أخذنا 
 [ ص: 142 ] ضغطة ، ولكن ذلك من العام المقبل . فكتب ، فقال سهيل :  وعلى أنه لا يأتيك منا رجل ، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا . قال المسلمون : سبحان الله! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟! فبينما هم كذلك إذ دخل  أبو جندل بن سهيل بن عمرو  يرسف في قيوده ، وقد خرج من أسفل مكة ،  حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين . فقال سهيل :  هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنا لم نقض الكتاب بعد" . قال : فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فأجزه لي" . قال : ما أنا بمجيزه لك . قال : "بلى ، فافعل" . قال : ما أنا بفاعل . قال مكرز :  بل قد أجزناه لك . قال  أبو جندل :  أي معشر المسلمين ، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ؟! ألا ترون ما قد لقيت ؟! وكان قد عذب عذابا شديدا في الله . قال : فقال  عمر بن الخطاب :  فأتيت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : ألست نبي الله حقا ؟ قال : "بلى" . قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : "بلى" . قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال : "إني رسول الله ، ولست أعصيه وهو ناصري " . قلت : أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت  فنطوف به ؟ قال : "بلى ، فأخبرتك أنا نأتيه العام ؟ " . قال : قلت : لا . قال : "فإنك آتيه ومطوف به" . قال : فأتيت أبا بكر  فقلت : يا أبا بكر ،  أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال : بلى . قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى . قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال : أيها الرجل ، إنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس يعصي ربه وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، فوالله إنه على الحق . قلت : أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت  ونطوف به ؟ قال : بلى ، أفأخبرك أنك تأتيه العام قلت : لا . قال : فإنك آتيه ومطوف به . قال  الزهري :  قال  عمر :  فعملت لذلك أعمالا . قال : فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : "قوموا فانحروا ، ثم احلقوا" . قال : فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد دخل على  أم سلمة ،  فذكر لها ما لقي من الناس . فقالت  أم سلمة :  يا نبي الله ، أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر 
 [ ص: 143 ] بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك . فخرج فلم يكلم أحدا منهم ، حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه . فلما رأوا ذلك ، قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ، ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن  حتى بلغ بعصم الكوافر   [الممتحنة : 10] فطلق  عمر  يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك ، فتزوج إحداهما  معاوية بن أبي سفيان ،  والأخرى  صفوان بن أمية ،  ثم رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ،  فجاءه أبو بصير   -رجل من قريش- وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين ، فقالوا : العهد الذي جعلت لنا . فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة ،  فنزلوا يأكلون من تمر لهم ، فقال أبو بصير  لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا . فاستله الآخر فقال : أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت . فقال أبو بصير :  أرني أنظر إليه ، فأمكنه منه ، فضربه حتى برد ، وفر الآخر ، حتى أتى المدينة ،  فدخل المسجد يعدو . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآه : "لقد رأى هذا ذعرا" . فلما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قتل والله صاحبي وإني لمقتول ، فجاء أبو بصير  فقال : يا نبي الله ، قد والله أوفى الله ذمتك ، قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ويل أمه مسعر حرب ، لو كان له أحد" . فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر . قال : وينفلت منهم  أبو جندل بن سهيل ،  فلحق بأبي بصير ،  فجعل لا يخرج من قريش  رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير ،  حتى اجتمعت منهم عصابة ، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش  إلى الشأم  إلا اعترضوا لها ، فقتلوهم ، وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش  إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تناشده بالله والرحم لما أرسل ، فمن أتاه فهو آمن ، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فأنزل الله تعالى : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم  حتى بلغ : الحمية حمية الجاهلية   [الفتح : 24 - 26] وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ، وحالوا بينهم وبين البيت .   [انظر : 1694 ، 1695 - فتح: 5 \ 329] 
 [ ص: 144 ] قال أبو عبد الله   : معرة  العر الجرب . تزيلوا  انمازوا وحميت القوم : منعتهم حماية ، وأحميت الحمى : جعلته حمى لا يدخل وأحميت الرجل إذا أغضبته إحماء] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					