فصل [ الغرض من علم الأصول وحقيقته ] [ ومادته وموضوعه ومسائله ] 
يجب على كل طالب علم أن يعلم ما الغرض منه ؟ وما هو ؟ ومن أين ؟ وفيم ؟ وكيف يحصل حتى يتمكن له الطلب ويسهل ؟ والأول : فائدته . 
والثاني : حقيقته ومبادئه . والثالث : مادته التي منها يستمد . والرابع : موضوعه ، والخامس : مسائله . 
أما الفائدة    : فهي الغاية الموصلة للأمور المهمة ، وللسبب الغائي اعتباران : أول الفكر ، ويسمى الباعث . ومنتهاه وهو آخر العمل ، ويسمى الفائدة .  [ ص: 45 ] 
وأما الحقيقة    : وهو اقتناصه بحد أو رسم أو تقسيم . والقصد به الإرشاد إلى المطلوب وإيضاحه . 
قال  المازري    : وإنما يحتاج إليه في التعليم للغير ، وأما الطالب لنفسه إذا لاح له حقيقة ما يطلب صح طلبه ، وإن لم يحسن عبارة عنه صالحة للحد فلا يكون هذا شرطا إلا في حق من أراد التعليم لا التعلم . 
وأما المادة    : فذكر إمام الحرمين  وتابعوه : أن أصول الفقه مستمد من ثلاثة علوم : الكلام ، والفقه ، والعربية . 
أما الكلام : فلتوقف الأدلة على معرفة الباري تعالى بقدر الممكن من ذاته وصفاته وأفعاله . ومعرفة صدق رسوله ، ويتوقف ثبوته على أن المعجزة تدل على دعوى الرسالة . وذلك كله مبين في علم الكلام فيسلم هنا . 
وتخص النظر في دليل الحكم هنا بعلم خمسة أشياء : كلام الله تعالى لمخاطب ، وقدرة العبد كسبا ليكلف ، وتعلق الكلام القديم بفعل المكلف ليوجد الحكم ، ورفع التعلق فينسخ ، وصدق المبلغ ليبين . 
وأما العربية : فلأن الأدلة جاءت بلسان العرب  ، وهي تشتمل على ثلاثة فنون : 
علم النحو : وهو علم مجاري أواخر الكلم رفعا ، ونصبا ، وجرا ، وجزما . 
وعلم اللغة : وهي تحقيق مدلولات الألفاظ العربية في ذواتها . 
وعلم الأدب : وهو علم نظم الكلام ، ومعرفة مراتبه على مقتضى الحال .  [ ص: 46 ] 
وإنما يكون هذا مادة لبعض أنواع الأصول ، وهو الخطاب دون مسائل الأخبار ، والإجماع ، والنسخ ، والقياس ، وهي معظم الأصول . ثم إن المادة فيه ليست على نظير المادة من الكلام ، فإن العلم بها مادة لفهم الأدلة . 
وأما الفقه : فلأنه مدلول أصول الفقه ، وأصول الفقه أدلته ، ولا يعلم الدليل مجردا من مدلوله . 
والأولى أن يقال في وجه استمداده من علم الكلام : إن علم أصول الفقه فيه ألفاظ لا تعلم مسمياتها من غير أصول الدين لكنها تؤخذ مسلمة فيه . على أن يبرهن في غيره من العلوم ، أو تكون مسلمة في نفسها . وهي العلم ، والظن ، والدليل ، والأمارة ، والنظر ، لأن لفظ الطرق يشمل ذلك كله ، والحكم أيضا ، إذ لا بد فيه من خطاب شرعي ، ولا يثبت ذلك بالدليل في غير أصول الدين ، وما ذكر منه غير ما عددناه ، فهو تبع ، ولا بد من معرفة هذه الأمور في معرفة هذا العلم ، ليتوقف منه إذن على بعضه لا على كله . وإلى هذا أشار ابن برهان  وغيره . 
وذكر الغزالي  أن استمداد أصول الفقه من شيء واحد ، وهو قول الرسول الذي دل التكلم على صدقه ، فينظر في وجه دلالته على الأحكام . 
إما بملفوظه ، أو بمفهومه ، أو بمعقول معناه ومستنبطه ، ولا يجاوز نظر الأصولي ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله . 
قال : وقول الرسول إنما يثبت صدقه وكونه حجة من علم الكلام . 
وهذا ليس بمرضي فإن من جملة ما يوجد فيه من علم الكلام معرفة العلم ، والظن ، والدليل ، والنظر وغيره مما سبق . وقوله بأن نظر الأصولي لا يجاوز قوله وفعله ممنوع . فإنه ينظر في الاستصحاب والأفعال قبل الشرع ، وقول الصحابي ، وغيره مما ليس بقول الرسول ، ولا فعله . 
واعلم أن المادة على قسمين : إسنادية ، مقومة ، فالمقومة داخلة في أجزاء الشيء وحقيقته ، وهي الفقه ، والإسنادية ما استندت إلى الدليل ، كعلم الكلام لأنه يعلم أصول  [ ص: 47 ] الفقه وإن لم يعلم علم الكلام ، وإنما علم الكلام دليل المعجزة ، وهو دليل الأصول ، فاستند إلى الدليل . وكذلك مادة العربية . 
فإن قلت : كيف يجعل الفقه مادة للأصول . وهو فرع الأصول ، ومادة كل شيء أصله  ، فهذا يؤدي إلى أن يكون الفرع أصلا والأصل فرعا ؟ أجاب المقترح  في تعليقه على البرهان " بأنه لا بد أن يذكر الفقه في الأصول من حيث الجملة ، فيذكر الواجب بما هو واجب ، والمندوب بما هو مندوب ، لأن هذا القدر مبين حقيقة الأصول . وإنما المحذور أن يذكر جزئيات المسائل ، فإن ذكرها يؤدي إلى الدور . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					