القول في تأويل قوله تعالى : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق    ( 27 ) ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير   ( 28 ) ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق   ( 29 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره : عهدنا إليه أيضا أن أذن في الناس بالحج : يعني بقوله : ( وأذن ) أعلم وناد في الناس أن حجوا أيها الناس بيت الله الحرام   ( يأتوك رجالا   ) يقول : فإن الناس يأتون البيت الذي تأمرهم بحجه مشاة على أرجلهم ( وعلى كل ضامر   ) يقول : وركبانا على كل ضامر ، وهي الإبل المهازيل ( يأتين من كل فج عميق   ) يقول : تأتي هذه الضوامر من كل فج عميق : يقول : من كل طريق ومكان ومسلك بعيد . وقيل : يأتين . فجمع لأنه أريد بكل ضامر : النوق . ومعنى الكل : الجمع ، فلذلك قيل : يأتين . وقد زعم الفراء أنه قليل في كلام العرب : مررت على كل رجل قائمين . قال : وهو صواب ، وقول الله " وعلى ضامر يأتين " ينبئ على صحة جوازه . وذكر أنإبراهيم  صلوات الله عليه لما أمره الله بالتأذين بالحج ، قام على مقامه فنادى : يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا بيته العتيق . 
وقد اختلف في صفة تأذين إبراهيم  بذلك . فقال بعضهم : نادى بذلك كما حدثنا ابن حميد  ، قال : ثنا جرير  ، عن قابوس  ، عن أبيه ، عن ابن عباس  ، قال : لما فرغ إبراهيم  من بناء البيت قيل له : ( أذن في الناس بالحج   ) قال : رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلي البلاغ فنادى إبراهيم   : أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحجوا - قال : فسمعه ما بين السماء والأرض ، أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون  . 
 [ ص: 606 ] حدثنا الحسن بن عرفة  ، قال : ثنا محمد بن فضيل بن غزوان الضبي  ، عن عطاء بن السائب  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  ، قال : لما بنى إبراهيم  البيت أوحى الله إليه ، أن أذن في الناس بالحج ، قال : فقال إبراهيم   : ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا ، وأمركم أن تحجوه ، فاستجاب له ما سمعه من شيء من حجر وشجر وأكمة أو تراب أو شيء : لبيك اللهم لبيك . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا  يحيى بن واضح  ، قال : ثنا ابن واقد  ، عن  أبي الزبير  ، عن مجاهد  ، عن ابن عباس  قوله : ( وأذن في الناس بالحج   ) قال : قام إبراهيم  خليل الله على الحجر ، فنادى : يا أيها الناس كتب عليكم الحج ، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فأجابه من آمن من سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة : لبيك اللهم لبيك . 
حدثنا  محمد بن بشار  ، قال : ثنا عبد الرحمن  ، قال : ثنا سفيان  ، عن عطاء بن السائب  عن سعيد بن جبير   : ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا   ) قال : وقرت في قلب كل ذكر وأنثى . 
حدثني ابن حميد  ، قال : ثنا حكام  عن عمرو  ، عن عطاء  ، عن سعيد بن جبير  ، قال : لما فرغ إبراهيم  من بناء البيت ، أوحى الله إليه ، أن أذن في الناس بالحج ، قال : فخرج فنادى في الناس : يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه ، فلم يسمعه يومئذ من إنس ، ولا جن ، ولا شجر ، ولا أكمة ، ولا تراب ، ولا جبل ، ولا ماء ، ولا شيء إلا قال : لبيك اللهم لبيك . 
قال : ثنا حكام  ، عن عنبسة  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، قال : قام إبراهيم  على المقام حين أمر أن يؤذن في الناس بالحج  . 
حدثني القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد  ، في قوله : ( وأذن في الناس بالحج   ) قال : قام إبراهيم  على مقامه ، فقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، فقالوا : لبيك اللهم لبيك ، فمن حج اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ  . 
حدثنا  ابن المثنى  ، قال : ثنا ابن أبي عدي  ، عن داود  ، عن عكرمة بن خالد المخزومي  ، قال : لما فرغ إبراهيم  عليه السلام من بناء البيت ، قام على المقام ، فنادى نداء سمعه أهل الأرض : إن ربكم قد بنى لكم بيتا فحجوه ، قال داود :  [ ص: 607 ] فأرجو من حج اليوم من إجابة إبراهيم  عليه السلام . 
حدثني محمد بن سنان القزاز  ، قال : ثنا حجاج  ، قال : ثنا حماد  ، عن أبي عاصم الغنوي  ، عن  أبي الطفيل  ، قال : قال ابن عباس   : هل تدري كيف كانت التلبية ؟ قلت : وكيف كانت التلبية ؟ قال : إن إبراهيم  لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج ، خفضت له الجبال رءوسها ، ورفعت القرى ، فأذن في الناس  . 
حدثنا ابن حميد  ، قال : ثنا جرير  عن منصور  ، عن مجاهد  قوله : ( وأذن في الناس بالحج   ) قال إبراهيم   : كيف أقول يا رب ؟ قال : قل : يا أيها الناس استجيبوا لربكم ، قال : وقرت في قلب كل مؤمن . 
وقال آخرون فى ذلك ، ما حدثنا ابن بشار  ، قال : ثنا عبد الرحمن  ، قال : ثنا سفيان  عن سلمة  ، عن مجاهد  ، قال : قيل لإبراهيم   : أذن في الناس بالحج ، قال : يا رب كيف أقول ؟ قال : قل لبيك اللهم لبيك   . قال : فكانت أول التلبية  . 
وكان ابن عباس  يقول : عنى بالناس في هذا الموضع أهل القبلة . 
ذكر الرواية بذلك : حدثني محمد بن سعد  ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : ( وأذن في الناس بالحج   ) يعني بالناس أهل القبلة ، ألم تسمع أنه قال : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا   . . . [ إلى قوله : ( ومن دخله كان آمنا   [ يقول : ومن دخله من الناس الذين أمر أن يؤذن فيهم ، وكتب عليهم الحج ، فإنه آمن ، فعظموا حرمات الله تعالى ، فإنها من تقوى القلوب . 
وأما قوله : ( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر   ) فإن أهل التأويل قالوا فيه نحو قولنا . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، قال : قال ابن عباس   : ( يأتوك رجالا   ) قال : مشاة . 
 [ ص: 608 ] قال : ثنا الحسين  ، قال : ثنا أبو معاوية  عن الحجاج بن أرطأة  ، قال : قال ابن عباس   : ما آسى على شيء فاتني إلا أن لا أكون حججت ماشيا ، سمعت الله يقول : ( يأتوك رجالا   ) . 
قال : ثنا الحسين  ، قال : ثنا سفيان  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، قال : حج إبراهيم  وإسماعيل  ماشيين . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  ، قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  ، عن ابن عباس   : ( يأتوك رجالا   ) قال : على أرجلهم . 
حدثني محمد بن سعد  ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : ( وعلى كل ضامر   ) قال : الإبل . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، قال : قال ابن عباس   : ( وعلى كل ضامر   ) قال : الإبل . 
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي  ، قال : ثنا المحاربي  ، عن عمر بن ذر  ، قال : قال مجاهد   : كانوا لا يركبون ، فأنزل الله : ( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر   ) قال : فأمرهم بالزاد ، ورخص لهم في الركوب والمتجر . 
وقوله ( من كل فج عميق   ) حدثني محمد بن سعد  ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( من كل فج عميق   ) يعني : من مكان بعيد . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، قال : قال ابن عباس   : ( من كل فج عميق   ) قال : بعيد . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  ، قال : ثنا ابن ثور  عن معمر  ، عن قتادة   : ( فج عميق   ) قال : مكان بعيد . 
حدثنا الحسن  ، قال : أخبرنا عبد الرزاق  ، قال : أخبرنا معمر  ، عن قتادة  مثله . 
وقوله : ( ليشهدوا منافع لهم    ) اختلف أهل التأويل في معنى المنافع التي ذكرها الله في هذا الموضع فقال بعضهم : هي التجارة ومنافع الدنيا . 
ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد  قال : ثنا حكام  ، قال : ثنا  [ ص: 609 ] عمرو بن عاصم  ، عن أبي رزين  ، عن ابن عباس   : ( ليشهدوا منافع لهم   ) قال : هي الأسواق . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  قال : ثنا أبو تميلة  ، عن أبي حمزة  ، عن جابر بن الحكم  ، عن مجاهد  عن ابن عباس  ، قال : تجارة . 
حدثنا ابن بشار  ، قال : ثنا أبو أحمد  ، قال : ثنا سفيان  ، عن  عاصم بن بهدلة  ، عن أبي رزين  ، في قوله : ( ليشهدوا منافع لهم   ) قال : أسواقهم . 
قال : ثنا عبد الرحمن  ، قال : ثنا سفيان  ، عن واقد  ، عن سعيد بن جبير   : ( ليشهدوا منافع لهم   ) قال : التجارة . 
حدثنا عبد الحميد بن بيان  ، قال : أخبرنا إسحاق  عن سفيان  ، عن واقد  ، عن سعيد بن جبير  مثله . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا ابن يمان  ، عن سفيان  عن واقد  عن سعيد  مثله . 
حدثني الحارث  ، قال : ثنا الحسن  ، قال : ثنا سنان  ، عن عاصم بن أبي النجود  ، عن أبي رزين   : ( ليشهدوا منافع لهم   ) قال : الأسواق . 
وقال آخرون : هي الأجر في الآخرة ، والتجارة في الدنيا . 
ذكر من قال ذلك : - حدثنا ابن بشار   وسوار بن عبد الله  ، قالا ثنا يحيى بن سعيد  ، قال : ثنا سفيان  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( ليشهدوا منافع لهم   ) قال : التجارة ، وما يرضي الله من أمر الدنيا والآخرة . 
حدثنا عبد الحميد بن بيان  ، قال : ثنا إسحاق  ، عن سفيان  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  مثله . 
حدثنا أبو كريب  ، قال : ثنا ابن يمان  عن سفيان  عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  مثله . 
حدثنا عبد الحميد بن بيان  ، قال : ثنا سفيان  قال : أخبرنا إسحاق  عن أبي بشر  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، في قوله : ( ليشهدوا منافع لهم   ) قال : الأجر في الآخرة ، والتجارة في الدنيا . 
حدثني محمد بن عمرو  ، قال : ثنا أبو عاصم  ، قال : ثنا عيسى  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد  مثله .  [ ص: 610 ] وقال آخرون : بل هي العفو والمغفرة . 
ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب  ، قال : ثنا ابن يمان  ، عن سفيان  عن جابر  ، عن أبي جعفر   : ( ليشهدوا منافع لهم   ) قال : العفو . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني أبو تميلة  عن أبي حمزة  ، عن جابر  قال : قال محمد بن علي   : مغفرة . 
وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : عنى بذلك : ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله والتجارة ، وذلك أن الله عم لهم منافع جميع ما يشهد له الموسم ، ويأتي له مكة  أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة ، ولم يخصص من ذلك شيئا من منافعهم بخبر ولا عقل ، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت . 
وقوله : ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام    ) يقول تعالى ذكره : وكي يذكروا اسم الله على ما رزقهم من الهدايا والبدن التي أهدوها من الإبل والبقر والغنم ، في أيام معلومات ، وهن أيام التشريق في قول بعض أهل التأويل . وفي قول بعضهم أيام العشر . وفي قول بعضهم : يوم النحر وأيام التشريق . 
وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك بالروايات ، وبينا الأولى بالصواب منها في سورة البقرة ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، غير أني أذكر بعض ذلك أيضا في هذا الموضع . 
حدثني محمد بن سعد  ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  ، في قوله : ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات   ) يعني أيام التشريق . 
حدثت عن الحسين  ، قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد بن سليمان  ، قال : سمعت الضحاك  في قوله : ( أيام معلومات   ) يعني أيام التشريق ، ( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام   ) يعني البدن . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  ، قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة   : ( في أيام معلومات   ) قال : أيام العشر ، والمعدودات : أيام التشريق .  [ ص: 611 ] وقوله : ( فكلوا منها   ) يقول : كلوا من بهائم الأنعام التي ذكرتم اسم الله عليها أيها الناس هنالك . وهذا الأمر من الله جل ثناؤه أمر إباحة لا أمر إيجاب ، وذلك أنه لا خلاف بين جميع الحجة أن ذابح هديه أو بدنته هنالك إن لم يأكل من هديه أو بدنته أنه لم يضيع له فرضا كان واجبا عليه ، فكان معلوما بذلك أنه غير واجب . 
ذكر الرواية عن بعض من قال ذلك من أهل العلم : - حدثنا سوار بن عبد الله  ، قال : ثنا يحيى بن سعيد  ، عن  ابن جريج  ، عن عطاء  قوله : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير    ) قال : كان لا يرى الأكل منها واجبا . 
حدثنا يعقوب بن إبراهيم  ، قال : ثنا هشيم  ، قال : أخبرنا حصين  ، عن مجاهد  ، أنه قال : هي رخصة إن شاء أكل ، وإن شاء لم يأكل ، وهي كقوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا   ) ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض   ) يعني قوله : ( فكلوا منها وأطمعوا القانع والمعتر   ) . 
قال : ثنا هشيم  ، قال : أخبرنا مغيرة  ، عن إبراهيم  ، في قوله : ( فكلوا منها   ) قال : هي رخصة ، فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل . 
قال : ثنا هشيم  ، قال : أخبرنا حجاج  ، عن عطاء  في قوله : ( فكلوا منها   ) قال : هي رخصة ، فإن شاء لم وإن شاء لم يأكل  . 
حدثني علي بن سهل  ، قال : ثنا زيد  قال : ثنا سفيان  ، عن حصين  عن مجاهد  ، في قوله : ( فكلوا منها   ) قال : إنما هي رخصة . 
وقوله : ( وأطعموا البائس الفقير   ) يقول : 
وأطعموا مما تذبحون أو تنحرون هنالك من بهيمة الأنعام من هديكم وبدنكم البائس ، وهو الذي به ضر الجوع والزمانة والحاجة ، والفقير الذي لا شيء له . 
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد  ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير   ) يعني الزمن الفقير . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  ، قال : ثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن رجل ،  [ ص: 612 ] عن مجاهد   : ( البائس الفقير   ) الذي يمد إليك يديه . 
حدثني يونس  ، قال : أخبرنا ابن وهب  ، قال : قال ابن زيد  في قوله : ( البائس الفقير   ) قال : هو القانع . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، قال : أخبرني عمر بن عطاء  ، عن عكرمة  ، قال : البائس : المضطر الذي عليه البؤس - والفقير : المتعفف . 
قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد  قوله : ( البائس ) الذي يبسط يديه . وقوله : ( ثم ليقضوا تفثهم    ) يقول تعالى ذكره : ثم ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم : من حلق شعر ، وأخذ شارب ، ورمي جمرة ، وطواف بالبيت . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن أبي الشوارب  ، قال : ثني يزيد  ، قال : أخبرنا  الأشعث بن سوار  ، عن نافع  ، عن ابن عمر  ، أنه قال : ( ثم ليقضوا تفثهم   ) قال : ما هم عليه في الحج . 
حدثنا حميد بن مسعدة  ، قال : ثنا يزيد  ، قال : ثني الأشعث  ، عن نافع  عن ابن عمر  ، قال : التفث : المناسك كلها . 
قال : ثنا هشيم  ، قال : أخبرنا عبد الملك  عن عطاء  ، عن ابن عباس  ، أنه قال ، في قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم   ) قال : التفث : حلق الرأس ، وأخذ من الشاربين ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وقص الأظفار ، والأخذ من العارضين ، ورمي الجمار ، والموقف بعرفة والمزدلفة . 
حدثنا حميد  ، قال : ثنا بشر بن المفضل  ، قال : ثنا خالد  ، عن عكرمة  ، قال : التفث : الشعر والظفر . 
حدثني يعقوب  ، قال : ثنا  ابن علية  ، عن خالد  ، عن عكرمة  مثله . 
حدثني يونس  ، قال : أخبرنا ابن وهب  ، قال : أخبرني أبو صخر  ، عن  محمد بن كعب القرظي  ، أنه كان يقول في هذه الآية : ( ثم ليقضوا تفثهم   ) رمي الجمار ، وذبح الذبيحة ، وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار ، والطواف  [ ص: 613 ] بالبيت وبالصفا والمروة . 
حدثنا  محمد بن المثنى  ، قال : ثنا محمد بن جعفر  ، قال : ثنا شعبة  ، عن الحكم  ، عن مجاهد  أنه قال في هذه الآية : ( ثم ليقضوا تفثهم   ) قال : هو حلق الرأس ، وذكر أشياء من الحج قال شعبة   : لا أحفظها  . 
قال : ثنا ابن أبي عدي  ، عن شعبة  ، عن الحكم  عن مجاهد  مثله . 
حدثني محمد بن عمرو;  قال : ثنا أبو عاصم  ، قال : ثنا عيسى  وحدثني الحارث  ، قال : ثنا الحسن  ، قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( ثم ليقضوا تفثهم   ) قال : حلق الرأس ، وحلق العانة ، وقصر الأظفار ، وقص الشارب ، ورمي الجمار ، وقص اللحية . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد  مثله . إلا أنه لم يقل في حديثه : وقص اللحية . 
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي  ، قال : ثنا المحاربي  ، قال : سمعت رجلا يسأل  ابن جريج  ، عن قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم   ) قال : الأخذ من اللحية ، ومن الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، ورمي الجمار . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثنا هشيم  ، قال : أخبرنا منصور  ، عن الحسن  ، وأخبرنا جويبر  ، عن الضحاك  أنهما قالا : حلق الرأس . 
حدثت عن الحسين  ، قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد  ، قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم   ) يعني حلق الرأس . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  ، قال : ثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد  ، قال : التفث : حلق الرأس ، وتقليم الظفر . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم   ) يقول : نسكهم . 
حدثني يونس  ، قال : أخبرنا ابن وهب  ، قال : قال ابن زيد  ، في قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم   ) قال : التفث : حرمهم . 
حدثني علي  ، قال : ثنا عبد الله  ، قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم   ) قال : يعني بالتفث وضع إحرامهم من حلق الرأس ، ولبس الثياب ، وقص الأظفار ونحو ذلك .  [ ص: 614 ] حدثنا ابن حميد  ، قال : ثنا جرير  ، عن عطاء بن السائب  ، قال : التفث : حلق الشعر ، وقص الأظفار والأخذ من الشارب ، وحلق العانة ، وأمر الحج كله . 
وقوله : ( وليوفوا نذورهم    ) يقول : وليوفوا الله بما نذروا من هدي وبدنة وغير ذلك . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
حدثني علي  ، قال : ثنا عبد الله  ، قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  قوله : ( وليوفوا نذورهم   ) نحر ما نذروا من البدن . 
حدثني محمد بن عمرو  ، قال : ثنا أبو عاصم  ، قال : ثنا عيسى   - وحدثني الحارث  ، قال : ثنا الحسن  ، قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( وليوفوا نذورهم   ) نذر الحج والهدي ، وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد   : ( وليوفوا نذورهم   ) قال : نذر الحج والهدي ، وما نذر الإنسان على نفسه من شيء يكون في الحج . 
وقوله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق    ) يقول : وليطوفوا ببيت الله الحرام . 
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( العتيق ) في هذا الموضع ، فقال بعضهم : قيل ذلك لبيت الله الحرام  ، لأن الله أعتقه من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه وهدمه . 
ذكر من قال ذلك : - حدثنا ابن عبد الأعلى  ، قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن الزهري  ، أن ابن الزبير  ، قال : إنما سمي البيت العتيق ، لأن الله أعتقه من الجبابرة . 
حدثنا الحسن  ، قال : أخبرنا عبد الرزاق  ، قال : أخبرنا معمر  ، عن الزهري  ، عن ابن الزبير  مثله . 
حدثنا ابن بشار  ، قال : ثنا مؤمل  ، قال : ثنا سفيان  ، عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد  ، قال : إنما سمي العتيق ، لأنه أعتق من الجبابرة .  [ ص: 615 ] قال : ثنا سفيان  ، قال : ثنا أبو هلال  ، عن قتادة   : ( وليطوفوا بالبيت العتيق   ) قال : أعتق من الجبابرة . 
حدثني محمد بن عمرو  ، قال : ثنا أبو عاصم  ، قال : ثنا عيسى  وحدثني الحارث  ، قال : ثنا الحسن  ، قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  قوله : ( البيت العتيق   ) قال : أعتقه الله من الجبابرة ، يعني الكعبة   . 
وقال آخرون : قيل له عتيق ، لأنه لم يملكه أحد من الناس . 
ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار  ، قال : ثنا مؤمل  ، قال : ثنا سفيان  ، عن عبيد  ، عن مجاهد  ، قال : إنما سمي البيت العتيق لأنه ليس لأحد فيه شيء . 
وقال آخرون : سمي بذلك لقدمه . 
ذكر من قال ذلك : حدثني يونس  ، قال : أخبرنا ابن وهب  ، قال : قال ابن زيد  ، في قوله : ( البيت العتيق   ) قال : العتيق : القديم ، لأنه قديم ، كما يقال : السيف العتيق ، لأنه أول بيت وضع للناس بناه آدم ، وهو أول من بناه ، ثم بوأ الله موضعه لإبراهيم  بعد الغرق ، فبناه إبراهيم  وإسماعيل   . 
قال أبو جعفر   : ولكل هذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه في قوله : ( البيت العتيق   ) وجه صحيح ، غير أن الذي قاله ابن زيد  أغلب معانيه عليه في الظاهر . غير أن الذي روي عن ابن الزبير  أولى بالصحة ، إن كان ما : حدثني به محمد بن سهل البخاري  ، قال : ثنا عبد الله بن صالح  ، قال : أخبرني الليث  ، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر  ، عن الزهري  ، عن محمد بن عروة  ، عن عبد الله بن الزبير  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما سمي البيت العتيق لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه قط صحيحا . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، قال الزهري   : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما سمي البيت العتق لأن الله أعتقه  " ثم ذكر مثله . 
وعنى بالطواف الذي أمر جل ثناؤه حاج بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة الذي يطاف به بعد التعريف ، إما يوم النحر وإما بعده ، لا خلاف  [ ص: 616 ] بين أهل التأويل في ذلك . 
ذكر الرواية عن بعض من قال ذلك : حدثنا عمرو بن سعيد القرشي  ، قال : ثنا الأنصاري  ، عن أشعث  ، عن الحسن   : ( وليطوفوا بالبيت العتيق   ) قال : طواف الزيارة . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  ، قال : ثنا خالد  قال : ثنا الأشعث  ، أن الحسن  قال في قوله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق   ) قال : الطواف الواجب . 
حدثني علي  ، قال : ثنا عبد الله  ، قال : ثني معاوية  عن علي  عن ابن عباس  قوله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق   ) يعني زيارة البيت . 
حدثني يعقوب  ، قال : ثنا هشيم  ، عن حجاج  وعبد الملك  ، عن عطاء  ، في قوله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق   ) قال : طواف يوم النحر . 
حدثني أبو عبد الرحمن البرقي  ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة  ، قال : سألت  زهيرا  عن قول الله : ( وليطوفوا بالبيت العتيق   ) قال : طواف الوداع . 
واختلف القراء في قراءة هذه الحروف ، فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا " بتسكين اللام في كل ذلك طلب التخفيف ، كما فعلوا في هو إذا كانت قبله واو ، فقالوا " وهو عليم بذات الصدور " فسكنوا الهاء ، وكذلك يفعلون في لام الأمر إذا كان قبلها حرف من حروف النسق كالواو والفاء وثم . وكذلك قرأت عامة قراء أهل البصرة ، غير أن أبا عمرو بن العلاء  كان يكسر اللام من قوله : ( ثم ليقضوا ) خاصة من أجل أن الوقوف على ثم دون " ليقضوا " حسن ، وغير جائز الوقوف على الواو والفاء ، وهذا الذي اعتل به أبو عمرو لقراءته علة حسنة من جهة القياس ، غير أن أكثر القراء على تسكينها . 
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي ، أن التسكين في لام " ليقضوا " والكسر قراءتان مشهورتان ، ولغتان سائرتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب . غير أن الكسر فيها خاصة أقيس ، لما ذكرنا لأبي عمرو  من العلة ، لأن من قرأ " وهو عليم بذات الصدور   " فهو بتسكين الهاء مع الواو والفاء ، ويحركها في قوله : ( ثم هو يوم القيامة من المحضرين   ) فذلك الواجب عليه أن يفعل  [ ص: 617 ] في قوله : " ثم ليقضوا تفثهم   " فيحرك اللام إلى الكسر مع " ثم " وإن سكنها في قوله : ( وليوفوا نذورهم   ) . وقد ذكر عن  أبي عبد الرحمن السلمي  والحسن البصري  تحريكها مع " ثم " والواو ، وهي لغة مشهورة ، غير أن أكثر القراء مع الواو والفاء على تسكينها ، وهي أشهر اللغتين في العرب وأفصحها ، فالقراءة بها أعجب إلي من كسرها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					