القول في تأويل قوله تعالى : ( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون    ( 45 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد   - صلى الله عليه وسلم - ( اتل ) يعني : اقرأ ( ما أوحي إليك من الكتاب   ) يعني : ما أنزل إليك من هذا القرآن ( وأقم الصلاة   ) يعني : وأد الصلاة التي فرضها الله عليك بحدودها ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر   ) اختلف أهل التأويل في معنى الصلاة التي ذكرت في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عنى بها القرآن الذي يقرأ في موضع الصلاة ، أو في الصلاة .  [ ص: 41 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا ابن يمان ،  عن أبي الوفاء ،  عن أبيه ، عن ابن عمر   ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر   ) قال : القرآن الذي يقرأ في المساجد . 
وقال آخرون : بل عنى بها الصلاة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي  قال : ثنا عبد الله  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قوله : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر   ) يقول : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله . 
حدثنا القاسم  قال : ثنا الحسين  قال : ثنا  خالد بن عبد الله ،  عن العلاء بن المسيب ،  عمن ذكره ، عن ابن عباس ،  في قول الله : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر   ) من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا . 
حدثنا القاسم  قال : ثنا الحسين  قال : ثنا خالد  قال : قال العلاء بن المسيب ،  عن سمرة بن عطية  قال : قيل  لابن مسعود   : إن فلانا كثير الصلاة ، قال : فإنها لا تنفع إلا من أطاعها . 
قال ثنا الحسين  قال : ثنا أبو معاوية ،  عن الأعمش ،  عن مالك بن الحارث ،  عن عبد الرحمن بن يزيد ،  عن ابن مسعود  قال : من لم تأمره صلاته بالمعروف ، وتنهه عن المنكر ، لم يزدد بها من الله إلا بعدا . 
قال ثنا الحسين  قال : ثنا  علي بن هاشم بن البريد ،  عن جويبر ،  عن الضحاك ،  عن ابن مسعود ،  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  " لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر  " قال : قال سفيان   : ( قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك   ) قال : فقال سفيان   : إي والله ، تأمره وتنهاه . 
قال علي   : وحدثنا إسماعيل بن مسلم ،  عن الحسن  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا " . 
حدثني يعقوب  قال : ثنا  ابن علية ،  عن يونس ،  عن الحسن  قال : الصلاة إذا لم تنه عن الفحشاء والمنكر ، قال : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم يزدد  [ ص: 42 ] من الله إلا بعدا . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  والحسن ،  قالا من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، فإنه لا يزداد من الله بذلك إلا بعدا . 
والصواب من القول في ذلك أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر  ، كما قال ابن عباس   وابن مسعود ،  فإن قال قائل : وكيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر إن لم يكن معنيا بها ما يتلى فيها ؟ قيل : تنهى من كان فيها ، فتحول بينه وبين إتيان الفواحش ، لأن شغله بها يقطعه عن الشغل بالمنكر ، ولذلك قال ابن مسعود   : من لم يطع صلاته لم يزدد من الله إلا بعدا . وذلك أن طاعته لها إقامته إياها بحدودها ، وفي طاعته لها مزدجر عن الفحشاء والمنكر . 
حدثنا أبو حميد الحمصي  قال : ثنا يحيى بن سعيد العطار  قال : ثنا أرطاة ،  عن ابن عون ،  في قول الله ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر   ) قال : إذا كنت في صلاة ، فأنت في معروف ، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر ، و ( الفحشاء ) : هو الزنا ، و ( المنكر ) : معاصي الله ، ومن أتى فاحشة أو عصى الله في صلاته بما يفسد صلاته ، فلا شك أنه لا صلاة له . 
وقوله : ( ولذكر الله أكبر   ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا هشيم  قال : أخبرنا عطاء بن السائب ،  عن عبد الله بن ربيعة  قال : قال لي ابن عباس   : هل تدري ما قوله : ( ولذكر الله أكبر   ) قال : قلت : نعم ، قال : فما هو ؟ قال : قلت : التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة ، وقراءة القرآن ونحو ذلك ، قال : لقد قلت قولا عجبا وما هو كذلك ، ولكنه إنما يقول : ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه ، إذا ذكرتموه ( أكبر ) من ذكركم إياه . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا أبي ، عن سفيان ،  عن عطاء بن السائب ،  عن ابن ربيعة ،  عن ابن عباس  قال : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا جرير ،  عن عطاء ،  عن عبد الله بن ربيعة  قال : سألني ابن عباس ،  عن قول الله : ( ولذكر الله أكبر   ) فقلت : ذكره بالتسبيح والتكبير  [ ص: 43 ] والقرآن حسن ، وذكره عند المحارم فيحتجز عنها . فقال : لقد قلت قولا عجيبا وما هو كما قلت ، ولكن ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا أبو أحمد  قال : ثنا سفيان ،  عن عطاء بن السائب ،  عن عبد الله بن ربيعة ،  عن ابن عباس   ( ولذكر الله أكبر   ) قال : ذكر الله للعبد أفضل من ذكره إياه . 
حدثنا  محمد بن المثنى   وابن وكيع  قال :  ابن المثنى   : ثني عبد الأعلى  وقال ابن وكيع   : ثنا عبد الأعلى  قال : ثنا داود ،  عن محمد بن أبي موسى  قال : كنت قاعدا عند ابن عباس ،  فجاءه رجل ، فسأل ابن عباس  عن ذكر الله أكبر ، فقال ابن عباس   : الصلاة والصوم ، قال : ذاك ذكر الله ، قال رجل : إني تركت رجلا في رحلي يقول غير هذا ، قال : ( ولذكر الله أكبر   ) قال : ذكر الله العباد أكبر من ذكر العباد إياه  ، فقال ابن عباس   : صدق والله صاحبك . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا يعقوب القمي ،  عن جعفر ،  عن سعيد بن جبير  قال : جاء رجل إلى ابن عباس  فقال : حدثني عن قول الله ( ولذكر الله أكبر   ) قال : ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا حماد بن سلمة ،  عن داود ،  عن عكرمة   ( ولذكر الله أكبر   ) قال : ذكر الله للعبد أفضل من ذكره إياه . 
حدثنا أبو هشام الرفاعي  قال : ثنا ابن فضيل  قال : ثنا  فضيل بن مرزوق ،  عن عطية   ( ولذكر الله أكبر   ) قال : هو قوله : ( فاذكروني أذكركم   ) وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية ، عن علي ،  عن ابن عباس   ( ولذكر الله   ) لعباده إذا ذكروه ( أكبر ) من ذكركم إياه . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( ولذكر الله أكبر   ) قال : ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه في الصلاة أو غيرها . 
حدثنا القاسم  قال : ثنا الحسين  قال : ثنا هشيم ،  عن  داود بن أبي هند ،  عن محمد بن أبي موسى ،  عن ابن عباس  قال : ذكر الله إياكم ، إذا ذكرتموه أكبر من  [ ص: 44 ] ذكركم إياه . 
حدثنا القاسم  قال : ثنا الحسين  قال : ثنا أبو تميلة ،  عن أبي حمزة ،  عن جابر ،  عن عامر ،  عن أبي قرة ،  عن سلمان  مثله . 
حدثنا أبو هشام الرفاعي  قال : ثنا أبو أسامة  قال : ثني عبد الحميد بن جعفر ،  عن صالح بن أبي عريب ،  عن  كثير بن مرة الحضرمي  قال : سمعت أبا الدرداء  يقول : ألا أخبركم بخير أعمالكم وأحبها إلى مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير من أن تغزوا عدوكم ، فتضربوا أعناقهم ، وخير من إعطاء الدنانير والدراهم ؟ قالوا : ما هو ؟ قال : ذكركم ربكم ، وذكر الله أكبر . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا أبي ، قال : ثنا سفيان ،  عن جابر ،  عن عامر ،  عن أبي قرة ،  عن سلمان   ( ولذكر الله أكبر   ) قال : قال ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . 
قال : ثني أبي ، عن إسرائيل ،  عن جابر ،  عن عامر  قال : سألت أبا قرة ،  عن قوله : ( ولذكر الله أكبر   ) قال : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . 
قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ،  عن جابر ،  عن مجاهد  وعكرمة  قالا ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه  . 
قال : ثنا ابن فضيل ،  عن مطرف ،  عن عطية ،  عن ابن عباس  قال : هو كقوله : ( اذكروني أذكركم ) فذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . 
قال : ثنا  حسن بن علي ،  عن زائدة ،  عن عاصم ،  عن شقيق ،  عن عبد الله   ( ولذكر الله أكبر   ) قال : ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لربه . 
قال : ثنا أبو يزيد الرازي ،  عن يعقوب ،  عن جعفر ،  عن شعبة  قال : ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولذكركم الله أفضل من كل شيء . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا عبد الرحمن  قال : ثنا عمر بن أبي زائدة ،  عن العيزار بن حريث ،  عن رجل ، عن سلمان  أنه سئل : أي العمل أفضل ؟ قال : أما تقرأ القرآن ( ولذكر الله أكبر   ) : لا شيء أفضل من ذكر الله . 
حدثنا ابن حميد أحمد بن المغيرة الحمصي  قال : ثنا  علي بن عياش  قال : ثنا  [ ص: 45 ] الليث  قال : ثني معاوية ،  عن  ربيعة بن يزيد ،  عن إسماعيل بن عبيد الله ،  عن  أم الدرداء ،  أنها قالت : ( ولذكر الله أكبر   ) فإن صليت فهو من ذكر الله ، وإن صمت فهو من ذكر الله ، وكل خير تعمله فهو من ذكر الله ، وكل شر تجتنبه فهو من ذكر الله ، وأفضل ذلك تسبيح الله . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( ولذكر الله أكبر   ) قال : لا شيء أكبر من ذكر الله ، قال : أكبر الأشياء كلها ، وقرأ ( أقم الصلاة لذكري   ) قال : لذكر الله ، وإنه لم يصفه عند القتال إلا أنه أكبر . 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا أبي ، عن الأعمش ،  عن أبي إسحاق  قال : قال رجل لسلمان   : أي العمل أفضل ، ؟ قال : ذكر الله  . 
وقال آخرون : هو محتمل للوجهين جميعا ، يعنون القول الأول الذي ذكرناه والثاني . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يعقوب  قال : ثنا  ابن علية ،  عن خالد ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  في قوله : ( ولذكر الله أكبر   ) قال : لها وجهان : ذكر الله أكبر مما سواه ، وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . 
حدثنا أبو كريب  قال : ثنا إسماعيل بن إبراهيم  قال : ثنا خالد الحذاء ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  في قوله : ( ولذكر الله أكبر   ) قال : لها وجهان : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ، وذكر الله عند ما حرم . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن وكيع  قال : ثنا عبيد الله ،  عن إسرائيل ،  عن  السدي ،  عن أبي مالك  في قوله : ( ولذكر الله أكبر   ) قال : ذكر الله العبد في الصلاة ، أكبر من الصلاة . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وللصلاة التي أتيت أنت بها ، وذكرك الله فيها ، أكبر مما نهتك الصلاة من الفحشاء والمنكر . 
حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي  قال : ثنا يحيى بن سعيد العطار  قال : ثنا أرطاة ،  عن ابن عون ،  في قول الله ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر   ) والذي  [ ص: 46 ] أنت فيه من ذكر الله أكبر . 
قال أبو جعفر   : وأشبه هذه الأقوال بما دل عليه ظاهر التنزيل قول من قال : ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه . 
وقوله : ( والله يعلم ما تصنعون   ) يقول : والله يعلم ما تصنعون أيها الناس في صلاتكم ، من إقامة حدودها ، وترك ذلك وغيره من أموركم ، وهو مجازيكم على ذلك ، يقول : فاتقوا أن تضيعوا شيئا من حدودها ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					