[ ص: 455 ] باب ذكر أخلاقه وشمائله الطاهرة صلى الله عليه وسلم  
قد قدمنا طيب أصله ومحتده ، وطهارة نسبه ومولده ، وقد قال الله تعالى : الله أعلم حيث يجعل رسالاته    [ الأنعام : 124 ] . 
وقال  البخاري    : حدثنا قتيبة ،  ثنا يعقوب بن عبد الرحمن ،  عن عمرو ،  عن سعيد المقبري ،  عن  أبي هريرة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بعثت من خير قرون بني آدم  قرنا فقرنا ، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه   . 
وفي " صحيح مسلم    " عن واثلة بن الأسقع  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله اصطفى قريشا  من بني إسماعيل ،  واصطفى بني هاشم  من قريش ،  واصطفاني من بني هاشم    .   . 
وقال الله تعالى : ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم    [ القلم : 1 - 4 ] قال العوفي ،  عن ابن عباس  في قوله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم  أي ؛ وإنك لعلى دين عظيم ، وهو الإسلام   . وهكذا قال مجاهد  وابن مالك   والسدي  والضحاك   وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم    . وقال عطية    :   [ ص: 456 ] لعلى أدب عظيم . وقد ثبت في " صحيح مسلم    " من حديث قتادة ،  عن زرارة بن أوفى ،  عن سعد بن هشام  قال : سألت عائشة  أم المؤمنين رضي الله عنها ، فقلت : أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت : أما تقرأ القرآن ؟ قلت بلى . فقالت : كان خلقه القرآن   . 
وقد روى  الإمام أحمد ،  عن إسماعيل بن علية ،  عن يونس بن عبيد ،  عن  الحسن البصري  قال : سئلت عائشة  عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن   . 
وروى  الإمام أحمد ،  عن عبد الرحمن بن مهدي ،   والنسائي  من حديثه ، و ابن جرير  من حديث ابن وهب ،  كلاهما عن معاوية بن صالح ،  عن  أبي الزاهرية ،  عن  جبير بن نفير  قال : حججت فدخلت على عائشة ،  فسألتها ، عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  فقالت : كان خلقه القرآن   . ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام ، مهما أمره به القرآن امتثله ، ومهما نهاه عنه تركه ، هذا مع ما جبله الله عليه من الأخلاق الجبلية الأصلية العظيمة التي لم يكن أحد من البشر ولا يكون على أكمل منها ، وشرع له الدين العظيم الذي لم يشرعه لأحد قبله ، وهو مع ذلك خاتم النبيين ، فلا رسول بعده ولا نبي ، فكان فيه من الحياء والكرم والشجاعة والحلم والصفح والرحمة وسائر الأخلاق الكاملة ما لا يحد ولا يمكن وصفه . 
 [ ص: 457 ] وقال يعقوب بن سفيان    : ثنا سليمان بن عبد الرحمن ،  ثنا الحسن بن يحيى ،  ثنا زيد بن واقد ،  عن بسر بن عبيد الله ،  عن  أبي إدريس الخولاني ،  عن  أبي الدرداء  قال : سألت عائشة  عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان خلقه القرآن ؛ يرضى لرضاه ويسخط لسخطه   . 
وقال  البيهقي    : أنا أبو عبد الله الحافظ ،  أنا أحمد بن سهل الفقيه  ببخارى ،  أنا قيس بن أنيف ،  ثنا قتيبة بن سعيد ،  ثنا جعفر بن سليمان ،  عن أبي عمران ،  عن يزيد بن بابنوس  قال : قلنا  لعائشة    : يا أم المؤمنين ، كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن . ثم قالت : أتقرأ سورة " المؤمنين " ؟ اقرأ : قد أفلح المؤمنون  إلى العشر . قالت : هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم   . وهكذا رواه  النسائي  عن قتيبة    . 
وروى  البخاري  من حديث  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير  في قوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين    [ الأعراف : 199 ] قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس   . 
 [ ص: 458 ] وقال  الإمام أحمد    : حدثنا  سعيد بن منصور ،  ثنا  عبد العزيز بن محمد ،  عن محمد بن عجلان ،  عن القعقاع بن حكيم ،  عن أبي صالح ،  عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق تفرد به أحمد    . ورواه  الحافظ أبو بكر الخرائطي  في كتابه ، فقال : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق   . 
وتقدم ما رواه  البخاري  من حديث أبي إسحاق ،  عن  البراء بن عازب  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها ، وأحسن الناس خلقا   . 
وقال مالك ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة ،  رضي الله عنها ، أنها : قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها   . ورواه  البخاري  ومسلم  من حديث مالك    . 
وروى مسلم  عن أبي كريب ،  عن أبي أسامة ،  عن هشام ،  عن أبيه ، عن عائشة ،  رضي الله عنها ، قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط لا عبدا ولا امرأة ولا خادما ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، ولا نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه ، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل  . 
 [ ص: 459 ] وقال  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرزاق ،  أنا معمر ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة  قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ، ولا امرأة ، ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله ، ولا خير بين أمرين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما ، حتى يكون إثما ، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم ، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله ، فيكون هو ينتقم لله عز وجل   . 
وقال  أبو داود الطيالسي    : ثنا شعبة ،  عن أبي إسحاق ،  سمعت أبا عبد الله الجدلي  يقول : سمعت عائشة ،  رضي الله عنها ، وسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : لم يكن فاحشا ولا متفحشا ، ولا سخابا في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح . أو قالت : يعفو ويغفر   . شك أبو داود    . ورواه الترمذي  من حديث شعبة ،  وقال : حسن صحيح . 
وقال يعقوب بن سفيان    : ثنا آدم   وعاصم بن علي ،  قالا : ثنا ابن أبي ذئب ،  ثنا صالح مولى التوأمة  قال : كان  أبو هريرة  رضي الله عنه ينعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان يقبل جميعا ويدبر جميعا ، بأبي وأمي لم يكن فاحشا ، ولا متفحشا ، ولا سخابا في الأسواق . زاد آدم    : ولم أر مثله قبله ، ولن أرى بعده   . 
 [ ص: 460 ] وقال  البخاري    : ثنا عبدان  عن أبي حمزة ،  عن الأعمش ،  عن أبي وائل ،  عن مسروق ،  عن عبد الله بن عمرو  قال : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ، وكان يقول : إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ورواه مسلم  من حديث الأعمش  به . 
وقد روى  البخاري  من حديث فليح بن سليمان ،  عن هلال بن علي ،  عن  عطاء بن يسار ،  عن عبد الله بن عمر  أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم موصوف في التوراة بما هو موصوف في القرآن : يا أيها النبي ، إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله . ويفتح بها أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا   . وقد روي عن  عبد الله بن سلام   وكعب الأحبار    . 
وقال  البخاري    : ثنا مسدد ،  ثنا يحيى ،  عن شعبة ،  عن قتادة ،  عن عبد الله بن أبي عتبة ،  عن أبي سعيد  قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها    . حدثنا ابن بشار ،  ثنا يحيى  وعبد الرحمن ،  قالا : ثنا شعبة  مثله ، وإذا   [ ص: 461 ] كره شيئا عرف ذلك في وجهه . ورواه مسلم  من حديث شعبة    . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا أبو عامر ،  ثنا فليح ،  عن هلال بن علي ،  عن أنس بن مالك  قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا ولا لعانا ولا فاحشا ، كان يقول لأحدنا عند المعاتبة : ما له تربت جبينه ؟ ورواه  البخاري  عن محمد بن سنان ،  عن فليح .  
وفي " الصحيحين " - واللفظ لمسلم    - من حديث حماد بن زيد ،  عن ثابت ،  عن أنس  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ، وكان أجود الناس ، وكان أشجع الناس ، ولقد فزع أهلالمدينة  ذات ليلة ، فانطلق ناس قبل الصوت ، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت ، وهو على فرس لأبي طلحة  عري ، في عنقه السيف ، وهو يقول لم تراعوا ، لم تراعوا قال : وجدناه بحرا أو : إنه لبحر قال : وكان فرسا يبطأ   . 
ثم قال مسلم    : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ،  ثنا  وكيع ،  عن شعبة ،  عن قتادة ،  عن أنس  قال : كان فزع بالمدينة  فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة  يقال له : مندوب . فركبه فقال : ما رأينا من فزع ، وإن وجدناه لبحرا وقال علي  رضي الله عنه : كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم   . 
 [ ص: 462 ] وقال  أبو إسحاق السبيعي ،  عن حارثة بن مضرب ، عن علي بن أبي طالب  قال : لما كان يوم بدر  اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أشد الناس بأسا . رواه أحمد  والبيهقي    . وتقدم في غزوة هوازن أنه عليه الصلاة والسلام ، لما فر جمهور أصحابه يومئذ ثبت وهو راكب بغلته ، وهو ينوه باسمه الشريف يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وهو مع ذلك يركضها إلى نحور الأعداء ، وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة العظيمة والتوكل التام ،  صلوات الله وسلامه عليه . 
وفي " صحيح مسلم    " من حديث إسماعيل بن علية ،  عن عبد العزيز ،  عن أنس  قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة  أخذ أبو طلحة  بيدي ، فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن أنسا  غلام كيس فليخدمك . قال : فخدمته في السفر والحضر ، والله ما قال لي لشيء صنعته : لم صنعت هذا هكذا ؟ ولا لشيء لم أصنعه : لم لم تصنع هذا هكذا ؟ 
وله من حديث سعيد بن أبي بردة ،  عن أنس  قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ، فما أعلمه قال لي قط : لم فعلت كذا وكذا ؟ ولا عاب علي شيئا قط   . 
 [ ص: 463 ] وله من حديث  عكرمة بن عمار ،  عن إسحاق ،  قال أنس    : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا  ، فأرسلني يوما لحاجة فقلت : والله لا أذهب . وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي . قال : فنظرت إليه وهو يضحك ، فقال : يا أنيس ،  ذهبت حيث أمرتك ؟ فقلت : نعم ، أنا أذهب يا رسول الله . قال أنس    : والله لقد خدمته تسع سنين ، ما علمته قال لشيء صنعته : لم صنعت كذا وكذا ؟ أو لشيء تركته : هلا فعلت كذا وكذا   . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا كثير بن هشام ،  ثنا جعفر ،  ثنا عمران القصير ،  عن أنس بن مالك  قال : خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني ، وإن لامني أحد من أهله إلا قال دعوه فلو قدر - أو قال : قضى - أن يكون كان ثم رواه أحمد ،  عن علي بن ثابت ،  عن جعفر هو ابن برقان ،  عن عمران البصري ، وهو القصير ،  عن أنس ،  فذكره ، تفرد به  الإمام أحمد    . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا عبد الصمد ،  ثنا أبي ، ثنا أبو التياح ،  ثنا أنس  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، وكان لي أخ يقال له : أبو عمير    . قال : أحسبه قال فطيما    . قال : فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال :   [ ص: 464 ] أبا عمير ،  ما فعل النغير ؟ قال : نغر كان يلعب به . قال فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا ، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ، ثم ينضح ، ثم يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونقوم خلفه يصلي بنا . قال : وكان بساطهم من جريد النخل   . وقد رواه الجماعة إلا أبا داود ،  من طرق ، عن أبي التياح يزيد بن حميد ،  عن أنس  بنحوه . 
وثبت في " الصحيحين " من حديث الزهري ،  عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ،  عن ابن عباس  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس  ، وكان أجود ما يكون في رمضان  حين يلقاه جبريل  فيدارسه القرآن  ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة   . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو كامل ،  ثنا حماد بن زيد ،  ثنا سلم العلوي ،  سمعت أنس بن مالك ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على رجل صفرة - أو قال : أثر صفرة - فكرهها . قال : فلما قام قال : لو أمرتم هذا أن يغسل عنه هذه الصفرة قال : وكان لا يكاد يواجه أحدا في وجهه بشيء يكرهه    . وقد رواه أبو داود ،   والترمذي  في " الشمائل " ،  والنسائي  في " اليوم والليلة " من   [ ص: 465 ] حديث حماد بن زيد ،  عن سلم بن قيس العلوي البصري    . قال أبو داود    : وليس من ولد علي بن أبي طالب ،  وكان يبصر في النجوم ، وقد شهد عند عدي بن أرطاة  على رؤية الهلال ، فلم يجز شهادته . 
وقال أبو داود    : ثنا  عثمان بن أبي شيبة ،  ثنا  عبد الحميد الحماني ،  ثنا الأعمش ،  عن مسلم ،  عن مسروق ،  عن عائشة  قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن رجل شيء لم يقل : ما بال فلان يقول . ولكن يقول : ما بال أقوام يقولون كذا وكذا   . 
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يبلغني أحد عن أحد شيئا ؛ إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر   . 
وقال مالك ،  عن  إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ،  عن أنس بن مالك  قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذا شديدا ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد ،  مر لي من مال الله الذي عندك    . قال : فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم أمر   [ ص: 466 ] له بعطاء   . أخرجاه من حديث مالك    . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا  زيد بن الحباب ،  أخبرني محمد بن هلال القرشي ،  عن أبيه ، أنه سمع  أبا هريرة  يقول : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فلما قام قمنا معه ، فجاء أعرابي فقال : أعطني يا محمد    . فقال : " لا ، وأستغفر الله " . فجذبه بحجزته فخدشه . قال : فهموا به . فقال : " دعوه " . قال : ثم أعطاه . قال : وكانت يمينه : " لا ، وأستغفر الله " . وقد روى أصل هذا الحديث أبو داود   والنسائي   وابن ماجه  من طرق ، عن محمد بن هلال بن أبي هلال المدني مولى بني كعب ،  عن أبيه ، عن  أبي هريرة  بنحوه . 
وقال يعقوب بن سفيان    : ثنا  عبيد الله بن موسى ،  عن شيبان ،  عن الأعمش ،  عن ثمامة بن عقبة  عن  زيد بن أرقم  قال : كان رجل من الأنصار  يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويأتمنه ، وأنه عقد له عقدا فألقاه في بئر ، فصرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه ملكان يعودانه ، فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا ، وهي في بئر بني فلان ، ولقد اصفر الماء من شدة عقده ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فاستخرج   [ ص: 467 ] العقد ، فوجد الماء قد اصفر ، فحل العقد ، ونام النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فما رأيته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات   . ورواه  الطبراني  من طريق  علي بن المديني ،  عن جرير  عن الأعمش  به ، وقال : فلم يعاتبه . قلت : والمشهور في الصحيح أن لبيد بن الأعصم اليهودي  هو الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر تحت رعوفة بئر ذي أروان ، وأن الحال استمر نحوا من ستة أشهر حتى أنزل الله سورتي المعوذتين ، ويقال إن آياتهما إحدى عشرة آية ، وإن عقد ذلك الذي سحر فيه كان إحدى عشرة عقدة . وقد بسطنا ذلك في كتابنا " التفسير " بما فيه كفاية . والله أعلم . 
وقال يعقوب بن سفيان    : ثنا أبو نعيم ،  ثنا عمران بن زيد أبو يحيى الملائي ،  ثنا زيد العمي ،  عن أنس بن مالك  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صافح أو صافحه الرجل لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده ، وإن استقبله بوجه لا يصرفه عنه حتى يكون الرجل ينصرف عنه ، ولم ير   [ ص: 468 ] مقدما ركبتيه بين يدي جليس له   . ورواه الترمذي   وابن ماجه ،  من حديث عمران بن زيد التغلبي أبي يحيى الطويل الكوفي ،  عن زيد بن الحواري العمي ،  عن أنس  به . 
وقال أبو داود    : ثنا أحمد بن منيع ،  ثنا أبو قطن ،  ثنا  مبارك بن فضالة ،  عن ثابت البناني ،  عن أنس بن مالك  قال : ما رأيت رجلا قط التقم أذن النبي صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده رجل فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده   . تفرد به أبو داود    . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا محمد بن جعفر  وحجاج  قالا : ثنا شعبة    - قال ابن جعفر  في حديثه : قال - سمعت علي بن زيد  قال : قال أنس بن مالك  إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة  لتجيء فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت   . ورواه ابن ماجه  من حديث شعبة    . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا هشيم ،  ثنا حميد ،  عن أنس بن مالك  قال : إن كانت الأمة من أهل المدينة  لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنطلق به في حاجتها   .   [ ص: 469 ] وقد رواه  البخاري  في كتاب الأدب من " صحيحه " معلقا ، فقال : وقال محمد بن عيسى - هو ابن الطباع - :  ثنا هشيم    . فذكره . 
وقال  الطبراني    : ثنا أبو شعيب الحراني ،  ثنا  يحيى بن عبد الله البابلتي ،  ثنا أيوب بن نهيك ،  سمعت عطاء بن أبي رباح ،  سمعت ابن عمر ،  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى صاحب بز ، فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم ، فخرج وهو عليه ، فإذا رجل من الأنصار  فقال : يا رسول الله اكسني قميصا ،  كساك الله من ثياب الجنة . فنزع القميص فكساه إياه ثم رجع إلى صاحب الحانوت ، فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم ، وبقي معه درهمان فإذا هو بجارية في الطريق تبكي فقال : " ما يبكيك ؟ " فقالت : يا رسول الله ، دفع إلي أهلي درهمين أشتري بهما دقيقا فهلكا . فدفع إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدرهمين الباقيين ، ثم انقلبت وهي تبكي ، فدعاها فقال " ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين ؟ " فقالت : أخاف أن يضربوني . فمشى معها إلى أهلها ، فسلم ، فعرفوا صوته ، ثم عاد فسلم ، ثم عاد فسلم ، ثم عاد فثلث فردوا ، فقال : " أسمعتم أول السلام ؟ " قالوا : نعم ، ولكن أحببنا أن تزيدنا من السلام ، فما أشخصك بأبينا وأمنا ؟ فقال : " أشفقت هذه الجارية أن تضربوها " . فقال صاحبها : فهي حرة لوجه الله ؛ لممشاك معها . فبشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير والجنة ، ثم قال : " لقد بارك الله في العشرة ؛ كسا الله نبيه قميصا ، ورجلا من الأنصار  قميصا ،   [ ص: 470 ] وأعتق الله منها رقبة ، وأحمد الله هو الذي رزقنا هذا بقدرته " هكذا رواه  الطبراني ،  وفي إسناده أيوب بن نهيك الحلبي ،  وقد ضعفه أبو حاتم ،  وقال أبو زرعة  منكر الحديث . وقال الأزدي    : متروك . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا عفان ،  ثنا حماد ،  عن ثابت ،  عن أنس  أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت : يا رسول الله ، إن لي حاجة . فقال : " يا أم فلان انظري أي الطرق شئت ؟ " فقام معها يناجيها حتى قضت حاجتها وهكذا رواه مسلم  من حديث حماد بن سلمة  
وثبت في " الصحيحين " من حديث الأعمش ،  عن أبي حازم ،  عن  أبي هريرة  قال : ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط ، إن اشتهاه أكله ، وإلا تركه   . وقال الثوري ،  عن الأسود بن قيس ،  عن نبيح العنزي ،  عن جابر  قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فذبحنا له شاة فقال : كأنهم علموا أنا نحب اللحم وذكر الحديث . 
وقال محمد بن إسحاق ،  عن يعقوب بن عتبة ،  عن عمر بن عبد العزيز ،  عن  يوسف بن عبد الله بن سلام ،  عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس   [ ص: 471 ] يتحدث ، كثيرا ما يرفع طرفه إلى السماء   . وهكذا رواه أبو داود  في كتاب الأدب من " سننه " من حديث محمد بن إسحاق  به . 
وقال أبو داود    : حدثنا سلمة بن شبيب ،  ثنا عبد الله بن إبراهيم ،  ثنا إسحاق بن محمد الأنصاري ،  عن ربيح بن عبد الرحمن ،  عن أبيه ، عن جده  أبي سعيد الخدري ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيده   . ورواه البزار  في " مسنده " ، ولفظه : كان إذا جلس نصب ركبتيه واحتبى بيديه . 
ثم قال أبو داود    : ثنا حفص بن عمر وموسى بن إسماعيل  قالا : ثنا عبد الله بن حسان العنبري ،  حدثتني جدتاي صفية  ودحيبة  ابنتا عليبة - قال موسى    : ابنة حرملة    . وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة ،  وكانت جدة أبيهما - أنها أخبرتهما أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قاعد القرفصاء . قالت : فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق   . ورواه الترمذي  في " الشمائل " ، وفي " الجامع " ، عن عبد بن حميد ،  عن  عفان بن مسلم ،  عن عبد الله بن حسان  به . وهو قطعة من حديث طويل قد ساقه  الطبراني  بتمامه في " معجمه الكبير " . 
 [ ص: 472 ] وقال  البخاري    : ثنا الحسن بن الصباح البزار ،  ثنا سفيان ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه   . 
قال  البخاري    : وقال الليث    : حدثني يونس ،  عن ابن شهاب ،  أخبرني عروة بن الزبير ،  عن عائشة  أنها قالت : ألا أعجبك أبو فلان ، جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك ، وكنت أسبح ، فقام قبل أن أقضي سبحتي ، ولو أدركته لرددت عليه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم   . وقد رواه أحمد  عن علي بن إسحاق ،  ومسلم  عن حرملة ،  وأبو داود  عن سليمان بن داود ،  كلهم عن ابن وهب ،  عن  يونس بن يزيد  به ، وفي روايتهم : ألا أعجبك من  أبي هريرة    . فذكر نحوه . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا  وكيع ،  عن سفيان ،  عن أسامة ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن عائشة  قالت : كان كلام النبي صلى الله عليه وسلم فصلا يفهمه كل أحد   [ ص: 473 ] لم يكن يسرده سردا   . وقد رواه أبو داود ،  عن ابن أبي شيبة ،  عن  وكيع    . 
وقال أبو يعلى    : ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ،  ثنا عبد الله بن مسعر ،  حدثني شيخ أنه سمع  جابر بن عبد الله    - أو ابن عمر    - يقول : كان في كلام النبي صلى الله عليه  وسلم ترتيل أو ترسيل   . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الصمد ،  حدثنا عبد الله بن المثنى ،  عن ثمامة ،  عن أنس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة رددها ثلاثا ، وإذا أتى قوما فسلم عليهم سلم ثلاثا . ورواه  البخاري  من حديث عبد الصمد    . 
وقال أحمد    : ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ،  ثنا عبد الله بن المثنى ،  سمعت ثمامة بن أنس  يذكر أن أنسا  كان إذا تكلم تكلم ثلاثا ، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم تكلم ثلاثا ،  وكان يستأذن ثلاثا   . 
وجاء في الحديث الذي رواه الترمذي ،  عن محمد بن يحيى ،  حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة ،  عن عبد الله بن المثنى ،  عن ثمامة ،  عن أنس ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا ؛ لتعقل عنه . ثم قال الترمذي    : حسن   [ ص: 474 ] صحيح غريب . 
وفي " الصحيح " أنه قال : أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكم اختصارا   . 
قال  الإمام أحمد    : حدثنا حجاج ،  حدثنا ليث ،  حدثني  عقيل بن خالد ،  عن ابن شهاب ،  عن  سعيد بن المسيب ،  أن  أبا هريرة  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بعثت بجوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي وهكذا رواه  البخاري  من حديث الليث    . 
وقال أحمد    : حدثنا إسحاق بن عيسى ،  ثنا ابن لهيعة ،  عن عبد الرحمن الأعرج ،  عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت بالرعب ، وأوتيت جوامع الكلام ، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي   . تفرد به أحمد  من هذا الوجه . 
وقال أحمد    : حدثنا يزيد ، ثنا محمد بن عمرو ،  عن أبي سلمة ،  عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت بالرعب ، وأوتيت جوامع الكلم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض   [ ص: 475 ] فتلت في يدي   . تفرد به أحمد  من هذا الوجه ، وهو على شرط مسلم    . 
وثبت في " الصحيحين " من حديث ابن وهب ،  عن عمرو بن الحارث ،  حدثني أبو النضر ،  عن سليمان بن يسار ،  عن عائشة ،  رضي الله عنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته ، إنما كان يتبسم . 
وقال الترمذي    : ثنا قتيبة    : ، ثنا ابن لهيعة ،  عن عبيد الله بن المغيرة ،  عن عبد الله بن الحارث بن جزء  قال : ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم   . ثم رواه من حديث الليث ،  عن يزيد بن أبي حبيب ،  عن عبد الله بن الحارث بن جزء  قال : ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلا تبسما . ثم قال : صحيح . 
وقال مسلم    : ثنا يحيى بن يحيى ،  ثنا أبو خيثمة ،  عن  سماك بن حرب ،  قلت  لجابر بن سمرة    : أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، كثيرا ، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت قام ، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم   . 
وقال  أبو داود الطيالسي    : ثنا شريك   وقيس بن سعد ،  عن سماك بن   [ ص: 476 ] حرب  قال : قلت  لجابر بن سمرة    : أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، كان كثير الصمت ، قليل الضحك ، فكان أصحابه ربما يتناشدون الشعر عنده ، وربما قالوا الشيء من أمورهم فيضحكون ، وربما تبسم   . 
وقال الحافظ  أبو بكر البيهقي    : أنا أبو عبد الله الحافظ  وأبو سعيد بن أبي عمرو  قالا : ثنا  أبو العباس محمد بن يعقوب ،  ثنا محمد بن إسحاق ،  أنا  أبو عبد الرحمن المقرئ ،  ثنا الليث بن سعد ،  عن الوليد بن أبي الوليد ،  أن سليمان بن خارجة  أخبره عن  خارجة بن زيد ،  يعني ابن ثابت ،  أن نفرا دخلوا على أبيه ، فقالوا : حدثنا عن بعض أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : كنت جاره فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فآتيه فأكتب الوحي ، وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا ، فكل هذا نحدثكم عنه   . ورواه الترمذي  في " الشمائل " عن عباس الدوري ،  عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ  به نحوه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					