( فصل في أصح الروايات ، المفسرة لإجمالي هذه الآيات ) 
الخروج إلى حنين  والقتال والهزيمة    : 
قال الحافظ في أول الكلام على هذه الغزوة من الفتح : قال أهل المغازي : خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حنين  لست خلت من شوال ، وقيل : لليلتين بقيتا من رمضان ، وجمع بعضهم بأنه بدأ بالخروج في أواخر رمضان ، وسار سادس شوال ، وكان وصوله   [ ص: 222 ] إليها في عاشره . وكان السبب في ذلك أن مالك بن عوف النصري  جمع القبائل من هوازن ،  ووافقه على ذلك الثقفيون ،  وقصدوا محاربة المسلمين ، فبلغ ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخرج إليهم ، قال  عمر بن شبة  في كتاب مكة    : حدثنا الحزامي يعني إبراهيم بن المنذر    - حدثنا ابن وهب  عن  ابن أبي الزناد  عن أبيه عن عروة  أنه كتب إلى الوليد    : أما بعد ، فإنك كتبت إلي تسألني عن قصة الفتح - فذكر له وقتها - فأقام عامئذ بمكة  نصف شهر ، ولم يزد على ذلك ، حتى أتاه أن هوازن  وثقيفا  قد نزلوا حنينا  يريدون قتال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا قد جمعوا إليه ورئيسهم  عوف بن مالك    . ولأبي داود  بإسناد حسن من حديث سهل بن الحنظلية  أنهم ساروا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حنين  فأطنبوا السير فجاء رجل فقال : إني انطلقت من بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذا بهوازن  عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم قد اجتمعوا إلى حنين  ، فتبسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : " تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى   " وعند  ابن إسحاق  من حديث جابر  ما يدل على أن هذا الرجل هو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي  اهـ . 
وقد أخرج البيهقي  في الدلائل حديث  الربيع بن أنس  المتقدم عن يونس بن بكر ،  وزاد فيه أنهم أي المسلمين كانوا اثني عشر ألفا منهم ألفان من أهل مكة     . أقول : وأما العشرة الآلاف فهم أصحابه الذين فتح بهم مكة    . وفي  البخاري  من حديث هشام بن زيد  عن أنس  عبارة مبهمة بل غلط في هذا العدد ، قال : لما كان يوم حنين  أقبلت هوازن  وغطفان  وغيرهم بنعمهم وذراريهم ، ومع النبي عشرة آلاف من الطلقاء  ، فأدبروا عنه حتى بقي وحده فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما ، فقال : " يا معشر الأنصار    " فقالوا : لبيك يا رسول الله نحن معك ، ثم التفت عن يساره ( فذكر مثل ذلك ) إلخ ، فقوله : من الطلقاء  غلط ، وفي رواية له : ومن الطلقاء    . وهي مبهمة كما يعلم من رواية مسلم  وهي " ومعه الطلقاء    " إلخ . ومن رواية البيهقي  التي تقدمت آنفا . وهؤلاء الطلقاء  كانوا ألفين . وكان حال بعض الألفين وخفة بعض الشبان هما السبب الأول للهزيمة  ، إذ كان بعضهم منافقا أظهر الإسلام لما غلب على أمره ووطنه ومهد دينه ومعهد عزه وكبريائه ، وبعضهم ضعيف الإيمان ، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتألفهم إلى أن يظهر لهم نور الإسلام وفضله بالعمل ومعاشرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع المؤمنين الصادقين ، ويزول ما كان في قلوبهم من ألفة الشرك وعداوة الإسلام ، حتى إن بعضهم أظهر الشماتة - بل الكفر - عند ما وقعت الهزيمة ، وكان منهم من ينوي قتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أمكنته الفرصة . كما يعلم من الروايات الصحيحة الآتية في القصة . 
وأما السبب الثاني للهزيمة فهو مثل ما سبق في وقعة أحد  من ظهور المسلمين على المشركين   [ ص: 223 ] وإقبالهم على الغنائم ، واشتغالهم بها عن القتال  ، وعند ذلك استقبلتهم هوازن  وبنو نصر  بالسهام ، وكانوا رماة لا يكاد يخطئ لهم سهم . 
روى الشيخان وغيرهما من حديث  البراء بن عازب  ـ رضي الله عنه ـ وسأله رجل من قيس    : أفررتم عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حنين  ؟ فقال : لكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يفر ، كانت هوازن  رماة ، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام ، ولقد رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بغلته البيضاء - وأن  أبا سفيان بن الحارث  آخذ بلجامها - وهو يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب  وفي رواية لمسلم  قال : جاء رجل إلى البراء  فقال : أكنتم وليتم يوم حنين  يا أبا عمارة  فقال : أشهد على نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما ولى . ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسرة ؟ إلى هذا الحي من هوازن  ، وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا فأقبل القوم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  وأبو سفيان بن الحارث  يقود به بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب    " اللهم أنزل نصرك " قال البراء    : كنا والله إذا احمر البأس نتقي به ، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به يعني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ   . 
وروى مسلم  أيضا من حديث  سلمة بن الأكوع  قال : غزونا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حنينا  ، فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما دريت ما أصنع ، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فولى صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا بأحدهما مرتديا بالأخرى ، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ، ومررت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهزما وهو على بغلته الشهباء ، فقال رسول   [ ص: 224 ] الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لقد رأى  ابن الأكوع  فزعا " فلما غشوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نزل عن البغلة ، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم ، فقال : شاهت الوجوه ، فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين ، فهزمهم الله عز وجل ، وقسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غنائمهم بين المسلمين اهـ . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					