فصل .  
ألف الشيخ  شمس الدين بن الصائغ الحنفي  كتابا سماه "  إحكام الرأي في أحكام الآي      " قال فيه : اعلم أن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية ، يرتكب لها أمور من مخالفة الأصول . قال : وقد تتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة ، فعثرت منها على نيف عن الأربعين حكما .  
أحدها : تقديم المعمول : إما على العامل ، نحو :  أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون      [ سبإ : 40 ] ، قيل : ومنه :  وإياك نستعين      [ الفاتحة : 5 ] ، أو على معمول آخر أصله التقديم ، نحو :  لنريك من آياتنا الكبرى      [ طه : 23 ] ، إذا أعربنا ( الكبرى ) مفعول ( نري ) ، أو على الفاعل ، نحو :  ولقد جاء آل فرعون النذر      [ القمر : 41 ] ، ومنه تقديم خبر كان على اسمها ، نحو :  ولم يكن له كفوا أحد      [ الإخلاص : 4 ] .  
الثاني : تقديم ما هو متأخر في الزمان ، نحو :  فلله الآخرة والأولى      [ النجم : 25 ] ، ولولا مراعاة الفواصل لقدمت الأولى كقوله :  له الحمد في الأولى والآخرة      [ القصص : 70 ] .  
الثالث : تقديم الفاضل على الأفضل ، نحو :  برب هارون وموسى      [ طه : 7 ] ، وتقدم ما فيه .  
الرابع : تقديم الضمير على ما يفسره ، نحو :  فأوجس في نفسه خيفة موسى      [ طه : 67 ] .  
الخامس : تقديم الصفة المجملة على الصفة المفردة ، نحو :  ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا      [ الإسراء : 13 ] .  
 [ ص: 192 ] السادس : حذف ياء المنقوص المعرف ، نحو :  الكبير المتعال      [ الرعد : 9 ] ،  يوم التناد      [ غافر : 32 ] .  
السابع : حذف ياء الفعل غير المجزوم ، نحو :  والليل إذا يسر      [ الفجر : 4 ] .  
الثامن : حذف ياء الإضافة ، نحو :  فكيف كان عذابي ونذر      [ القمر : 16 ] ،  فكيف كان عقاب      [ الرعد : 32 ] .  
التاسع : زيادة حرف المد ، نحو : ( الظنونا ) [ الأحزاب : 10 ] ، و ( الرسولا ) [ الأحزاب : 66 ] ، و ( السبيلا ) [ الأحزاب : 67 ] .  
ومنه إبقاؤه مع الجازم ، نحو :  لا تخاف دركا ولا تخشى      [ طه : 77 ] ،  سنقرئك فلا تنسى      [ الأعلى : 6 ] ، على القول بأنه نهي .  
العاشر : صرف ما لا ينصرف ، نحو :  قوارير   قوارير      [ الإنسان : 15 ، 16 ] .  
الحادي عشر : إيثار تذكير اسم الجنس كقوله :  أعجاز نخل منقعر      [ القمر : 20 ] .  
الثاني عشر : إيثار تأنيثه ، نحو :  أعجاز نخل خاوية      [ الحاقة : 7 ] ، ونظير هذين قوله في القمر [ 5 ] :  وكل صغير وكبير مستطر   وفي الكهف [ 49 ] :  لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها      .  
الثالث عشر : الاقتصار على أحد الوجهين الجائزين اللذين قرئ بهما في السبع في غير ذلك ، كقوله تعالى :  فأولئك تحروا رشدا      [ الجن : 14 ] ، ولم يجئ ( رشدا ) في السبع ، وكذا :  وهيئ لنا من أمرنا رشدا      [ الكهف : 10 ] ؛ لأن الفواصل في السورتين محركة الوسط ، وقد جاء في :  وإن يروا سبيل الرشد      [ الأعراف : 146 ] ، وبهذا يبطل ترجيح  الفارسي  قراءة التحريك بالإجماع عليه فيما تقدم . ونظير ذلك قراءة :  تبت يدا أبي لهب وتب      [ المسد : 1 ] ،      [ ص: 193 ] بفتح الهاء وسكونها ، ولم يقرأ :  سيصلى نارا ذات لهب      [ المسد : 3 ] . إلا بالفتح لمراعاة الفاصلة .  
الرابع عشر : إيراد الجملة التي رد بها ما قبلها على غير وجه المطابقة في الاسمية والفعلية كقوله تعالى :  ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين      [ البقرة : 8 ] . ولم يطابق بين قولهم : آمنا وبين ما رد به فيقول ( ولم يؤمنوا ) أو ( ما آمنوا ) لذلك .  
الخامس عشر : إيراد أحد القسمين غير مطابق للآخر كذلك نحو :  فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين      [ العنكبوت : 3 ] . ولم يقل : الذين كذبوا .  
السادس عشر : إيراد أحد جزأي الجملتين على غير الوجه الذي أورد نظيرها من الجملة الأخرى نحو :  أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون      [ البقرة : 177 ] .  
السابع عشر : إيثار أغرب اللفظتين نحو :  قسمة ضيزى      [ النجم : 22 ] . ولم يقل : جائرة  لينبذن في الحطمة   ولم يقل " جهنم " أو " النار " .  
وقال في المدثر [ 26 ] .  سأصليه سقر   وفي سأل [ 15 ] .  إنها لظى   وفي القارعة [ 9 ] .  فأمه هاوية   لمراعاة فواصل كل سورة .  
الثامن عشر : اختصاص كل من المشركين بموضع نحو :  وليذكر أولو الألباب      [ إبراهيم : 52 ] . وفي سورة طه [ 128 ] .  إن في ذلك لآيات لأولي النهى      .  
التاسع عشر : حذف المفعول نحو :  فأما من أعطى واتقى      [ الليل : 5 ] .  ما ودعك ربك وما قلى   ومنه حذف متعلق أفعل التفضيل نحو :  يعلم السر وأخفى      [ طه : 7 ] .  خير وأبقى      [ الأعلى : 17 ] .  
العشرون : الاستغناء بالإفراد عن التثنية نحو :  فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى      [ طه : 117 ] .  
الحادي والعشرون : الاستغناء به عن الجمع نحو :  واجعلنا للمتقين إماما      [ الفرقان : 74 ] . ولم يقل : أئمة كما قال  وجعلناهم أئمة يهدون      [ الأنبياء : 73 ] .      [ ص: 194 ] إن المتقين في جنات ونهر      [ القمر : 54 ] . أي : أنهار .  
الثاني والعشرون : الاستغناء بالتثنية عن الإفراد نحو :  ولمن خاف مقام ربه جنتان      [ الرحمن : 46 ] . قال  الفراء     : أراد جنة ، كقوله :  فإن الجنة هي المأوى      [ النازعات : 41 ] . فثنى لأجل الفاصلة ، قال : والقوافي تحتمل من الزيادة والنقصان ما لا يحتمل سائر الكلام .  
ونظير ذلك قول  الفراء  أيضا في قوله تعالى :  إذ انبعث أشقاها      [ الشمس : 12 ] . فإنهما رجلان : قدار وآخر معه ، ولم يقل : أشقياها للفاصلة وقد أنكر ذلك  ابن قتيبة  وأغلظ فيه ، وقال : إنما يجوز في رؤوس الآي زيادة ها السكت أو الألف أو حذف همز أو حرف ، فأما أن يكون الله وعد بجنتين فنجعلهما جنة واحدة لأجل رؤوس الآي معاذ الله ، وكيف هذا وهو يصفها بصفات الاثنين قال  ذواتا أفنان   ثم قال : " فيهما " [ الرحمن : 48 ، 50 ] .  
وأما   ابن الصائغ     : فإنه نقل عن  الفراء  أنه أراد جنات فأطلق الاثنين على الجمع لأجل الفاصلة ثم قال : وهذا غير بعيد قال : وإنما عاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية مراعاة للفظ وهذا هو الثالث والعشرون .  
الرابع والعشرون : الاستغناء بالجمع عن الإفراد نحو :  لا بيع فيه ولا خلال   أي : ولا خلة كما في الآية الأخرى وجمع مراعاة للفاصلة .  
الخامس والعشرون : إجراء غير العاقل مجرى العاقل نحو :  رأيتهم لي ساجدين      [ يوسف : 4 ] .  كل في فلك يسبحون      [ الأنبياء : 33 ] .  
السادس والعشرون : إمالة ما لا يمال كآي " طه " " والنجم " .  
السابع والعشرون : الإتيان بصيغة المبالغة : كقدير وعليم مع ترك ذلك في نحو  هو القادر      [ الأنعام : 65 ] . و  عالم الغيب      [ الأنعام : 73 ] . ومنه  وما كان ربك نسيا      [ مريم : 64 ] .  
الثامن والعشرون : إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض نحو :  إن هذا لشيء عجاب      [ ص : 5 ] . أوثر على عجيب لذلك .  
التاسع والعشرون : الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه نحو :  ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى      [ طه : 129 ] .  
الثلاثون : إيقاع الظاهر موضع الضمير نحو :  والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين      [ الأعراف : 170 ] .      [ ص: 195 ] وكذا آية الكهف .  
الحادي والثلاثون : وقوع ( مفعول ) موقع ( فاعل ) كقوله :  حجابا مستورا      [ الإسراء : 45 ] .  كان وعده مأتيا      [ مريم : 61 ] . أي : سائرا وآتيا .  
الثاني والثلاثون : وقوع فاعل موقع مفعول نحو :  عيشة راضية      [ الحاقة : 21 ] .  ماء دافق      [ الطارق : 6 ] .  
الثالث والثلاثون الفصل بين الموصوف والصفة نحو :  أخرج المرعى   فجعله غثاء أحوى      [ الأعلى : 4 ، 5 ] . إن أعرب أحوى صفة المرعى أي : حالا .  
الرابع والثلاثون : إيقاع حرف مكان غيره نحو :  بأن ربك أوحى لها      [ الزلزلة : 5 ] . والأصل إليها .  
الخامس والثلاثون : تأخير الوصف الأبلغ عن الأبلغ منه :  الرحمن الرحيم   رءوف رحيم      [ التوبة : 128 ] . لأن الرأفة أبلغ من الرحمة .  
السادس والثلاثون : حذف الفاعل ونيابة المفعول نحو :  وما لأحد عنده من نعمة تجزى      [ الليل : 19 ] .  
السابع والثلاثون : إثبات هاء السكت نحو : ماليه [ الحاقة : 28 ] . سلطانيه [ الحاقة : 29 ] .  ما هيه      [ القارعة : 10 ] .  
الثامن والثلاثون : الجمع بين المجرورات نحو :  ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا      [ الإسراء : 69 ] . فإن الأحسن الفصل بينها ، إلا أن مراعاة الفاصلة اقتضت عدمه وتأخير تبيعا  
التاسع والثلاثون : العدول عن صيغة المضي إلى صيغة الاستقبال نحو :  ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون      [ البقرة : 87 ] . والأصل قتلتم .  
الأربعون : تغيير بنية الكلمة نحو :  وطور سينين      [ التين : 2 ] . والأصل سينا .  
تنبيه : قال   ابن الصائغ     : لا يمتنع في توجيه الخروج عن الأصل في الآيات المذكورة أمور أخرى مع وجه المناسبة ، فإن القرآن العظيم كما جاء في الأثر :  لا تنقضي عجائبه     .  
				
						
						
