مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : " وأكره الورق المغشوش لئلا يغر به أحدا " .  
قال  الماوردي      : أما  ضرب الورق المغشوش   فيكره للسلطان وغيره لقوله صلى الله عليه وسلم  من غشنا فليس منا  ولما فيه من إفساد النقود وغبن ذوي الحقوق وغلاء الأسعار ، وانقطاع الجلب      [ ص: 260 ] المفضي جميع ذلك إلى اختلاف الأمور ، وفساد أحوال الجمهور فأما جواز  المعاملة بها ووجوب الزكاة فيها   ، فهما فصلان :  
نبدأ بأحدهما : وهو جواز  المعاملة بها      : اعلم أن المغشوش ضربان : ضرب يكون غشه لرداءة جنسه ، فتكره المعاملة به لمن لا يعرفه إلا بعد إعلامه ، لما فيه من الغرور والتدليس وفي مثل ذلك قال  عمر بن الخطاب   رضي الله عنه : من زافت دراهمه فليأت السوق فليشتر بها الثوب السميق ، وقد ذكرنا وجوب الزكاة فيه .  
والضرب الثاني : ما كان غشه من غيره لا من جنسه كالفضة المختلطة بغيرها ، فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يكون قدر فضته معلوما ، وجنس ما خالطه وغش به معروفا ، قد اشتهرت حاله عند الكافة وعلمه الخاصة والعامة لا يختلف ضربه ولا يتناقض فضته ، فالمعاملة به جائزة حاضرا بعينه وغائبا في الذمة .  
والضرب الثاني : أن يكون قدر فضته مجهولا ، فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يكون ما خالط الفضة مقصودا له قيمة كالمس والنحاس .  
والضرب الثاني : أن يكون مستهلكا لا قيمة له كالزئبق والزرنيخ ، فإن كان مقصودا فعلى ضربين :  
أحدهما : أن تكون الفضة والغش غير ممتزجين .  
والثاني : أن يكونا ممتزجين ، فإن كانت الفضة غير ممازجة للغش من النحاس والمس وإنما الفضة على ظاهرها والمس في باطنها ، فالمعاملة بها غير جائزة ، لا معينة ولا في الذمة : لأن الفضة وإن شوهدت فالمقصود الآخر غير معلوم ولا مشاهد ، كما لا تجوز المعاملة بالفضة المطلية بالذهب : لأن أحد مقصوديها غير معلوم ولا مشاهد ، وإن كانت الفضة ممازجة للغش من النحاس والمس لم تجز المعاملة بها في الذمة للجهل بها ، كما لا يجوز  السلم في المعجونات   للجهل بها ، وفي جواز المعاملة بها إذا كانت حاضرة معينة وجهان :  
أحدهما : لا يجوز للجهل بمقصودها كتراب المعادن .  
والوجه الثاني : يجوز وهو أظهر وبه قال  أبو سعيد الإصطخري   ،  وأبو علي بن أبي هريرة   كما يجوز  بيع الحنطة المختلطة بالشعير إذا شوهدت   ، وإن جهل قدر كيل واحد منهما ، وكما يجوز بيع المعجونات إذا شوهدت وإن لم يجز السلم فيها ، وخالف بيع تراب المعادن : لأن      [ ص: 261 ] التراب غير مقصود ، فهذا الكلام في  الغش إذا كان مقصودا ، فأما إن كان غير مقصود فعلى ضربين      :  
أحدهما : أن تكون الفضة والغش ممتزجين فلا تجوز المعاملة بها ، لا معينة ولا في الذمة : لأن مقصودهما مجهول بممازجة ما ليس بمقصود كتراب المعادن .  
والثاني : أن تكون الفضة والغش غير ممتزجين وإنما الفضة على ظاهرها والغش في باطنها كالزرنيخية فتجوز المعاملة بها إذا كانت حاضرة معينة : لأن المقصود منها مشاهد ، ولا تجوز المعاملة بها في الذمة : للجهل بمقصودها ، فهذا حكم الورق المغشوشة في المعاملة ، لكن لا يجوز بيع بعضها ببعض ولا بيعها بالفضة : لأجل الربا ، وقد روي  عن  ابن مسعود   أنه باع سقاطة بيت المال من المغشوش والزائف بوزنه من الورق الجيد ، فأنكر ذلك  عمر بن الخطاب   ورد البيع  ، فلو أتلفها رجل على غيره لم يلزمه مثلها : لأنه لا مثل لها ولزمه رد قيمتها ذهبا ، والحكم في الدنانير المغشوشة كالحكم في الورق المغشوشة .  
وقال  أبو حنيفة      : إن كان غشها مثل نصفها أو أكثر فلا زكاة فيها حتى تباع قدر حصتها نصابا .  
				
						
						
