هو - سبحانه - ( حي      ) ، أي لم يزل موجودا ، وبالحياة موصوفا ، وسائر الأحياء يعترضهم الموت والعدم في أحد الطرفين ، أو فيهما معا (  كل شيء هالك إلا وجهه      ) ، والحياة صفة ذاتية حقيقية ، قائمة بذاته - تعالى ، ( عليم ) بالسرائر والخفيات التي لا يدركها علم خلقه ، كقوله - تعالى : (  عليم بذات الصدور      ) ، وجاء على بناء فعيل للمبالغة في وصفه بكمال العلم ، أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا ، وهو مشتق من العلم ، ويأتي الكلام عليه ، ( قادر ) أي ذو القدرة التامة ، والقدرة عبارة عن صفة يوجد بها المقدور على طبق العلم والإرادة .  
قال شيخنا  الشهاب المنيني  في كتابه شرح تاريخ  العتبي     :  للقادر معنيان      : أحدهما : أن يكون بمعنى القدير من القدرة على كل شيء ، وذلك صفة الله - تعالى - وحده دون غيره ، وإنما يوصف القادر منا على بعض المقدورات دون بعض . وثانيهما : أن يكون القادر بمعنى المقدر ، يقال منه قدر بالتخفيف والتشديد معنى واحد ، قال - تعالى : (  فقدرنا فنعم القادرون      ) أي : نعم المقدرون . والمراد بقوله من القدرة على كل شيء : يعني على كل ممكن ; لأنه الذي تتعلق به القدرة كما يأتي في محله ، (  موجود ) - سبحانه وتعالى      - بالوجود القديم ; لأن العالم وكل جزء من أجزائه حادث ومفتقر من حيث وجوده وعدمه إليه - تعالى - من حيث صانعيته وإيجاده إياه ، وصانع العالم المحتاج إليه في وجوده لا يكون إلا واجبا بخلاف وجود غيره ، فإنه جائز ، وحاصل ذلك أن يقال : قد ثبت حدوث العالم ، أو يقال : لا شك في وجود حادث ، وكل حادث فبالضرورة له محدث ، فإما أن يدور أو يتسلسل ، وكلاهما محال ، وإما أن ينتهي إلى قديم      [ ص: 42 ] لا يفتقر إلى سبب أصلا ، وهو المراد ، ومن ثم قلنا " قامت " أي وجدت واستمرت " به " - سبحانه - وتعالى " الأشياء " كلها من الجواهر والأعراض العلوية والسفلية ، ( و ) قام به ( الوجود ) لكل موجود سواه ، فهو الذي خلقه وسواه ، وأحدثه وأنشاه ،  فوجود الباري صفة له   واجب قديم ، ووجود غيره جائز محدث بإحداث الخالق الحكيم . وعطفه على الأشياء من عطف الخاص على العام للتنصيص عليه ، ردا على  القائلين بكلية الوجود ووحدته   ، وأنه قديم ، وأنه موجود في الخارج ، وهذا ضرب من الهذيان وإن جل ناقلوه ، فإن القائلين به هم القائلون بالوحدة ، ولا يخفى أن القول بها ضرب من الزندقة ، فإن من المعلوم بصريح العقل وصحيح النقل أن الخالق المبدع ليس هو بمخلوق ، ولا جزءا من أجزائه ، ولا صفة من صفاته ، تعالى وتقدس عما يقولون علوا كبيرا .  
ومن يقول أن الكليات الطبيعية ثابتة في الخارج ، فإنه يقول : إنها جزء من المعينات أو صفة لها ، ولهذا يقولون : المطلق جزء من المعين ، والعام بعض الخاص ، فيلزم من  زعم أن وجود الرب - تعالى - هو الكلي   ، أن يكون الخالق جزءا من المخلوق أو صفة له ، وهذا مما يعلم بطلانه بصريح العقل وصحيح النقل . وأما المثل الأفلاطونية فإذا قيل : إن ثم وجودا كليا مطلقا مقارنا لجميع الموجودات ، فهو بمنزلة الإنسانية المطلقة والحيوانية المطلقة ، والعقل الصريح يقطع أن الإنسانية المقارنة لا تكون خالقة لكل إنسان ، ولا الحيوانية خالقة لكل حيوان ، فكيف يكون الوجود المجرد خالقا لكل موجود أو قديما غير مخلوق ؟ فإن هذه الكليات لو قدر وجودها وأنها جواهر عقلية - مع أن هذا باطل ، ولا وجود لها إلا في الأذهان ، وهؤلاء تخيلوها في أذهانهم ، فظنوا وجودها في الخارج - فعلى فرض تسليم ذلك ، فهي جواهر بسيطة ، لا توصف بأنها حية ، ولا عالمة ، ولا قادرة ، ولا متكلمة ، فتعالى الله عن مقالات أهل الوحدة والحلول والفلسفة والزندقة علوا كبيرا . والحاصل أنه لا ذرة ولا شذرة من جوهر ولا عرض ، ولا ملك ولا فلك ، ولا روح ولا نفس ، ولا جن ولا إنس من جميع العالم السفلي والعلوي ، إلا وهو مخلوق ومصنوع لله - تعالى - كان بعد أن لم يكن ، فلا يستحق الوجود الواجب شيء سواه ، ولا التفات      [ ص: 43 ] لمن لم يهده الله ، فأثبت القدم لبعض مخلوقات الله - تعالى - كما يأتي الكلام على ذلك في محله عند قولنا : وضل من أثنى عليها بالقدم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					