( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير    ( 12 ) وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور    ( 13 ) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير   ( 14 ) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور   ( 15 ) ) 
 [ ص: 179 ] 
يقول تعالى مخبرا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبا عن الناس ، فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات  ، حيث لا يراه أحد إلا الله ، بأنه له مغفرة وأجر كبير ، أي : يكفر عنه ذنوبه ، ويجازى بالثواب الجزيل ، كما ثبت في الصحيحين : " سبعة يظلهم الله تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله  " ، فذكر منهم : " رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجلا تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه  " . 
وقال  الحافظ أبو بكر البزار  في مسنده : حدثنا طالوت بن عباد  ، حدثنا الحارث بن عبيد  ، عن ثابت  ، عن أنس  قال : قالوا : يا رسول الله ، إنا نكون عندك على حال ، فإذا فارقناك كنا على غيره ؟ قال : " كيف أنتم وربكم ؟ " قالوا : الله ربنا في السر والعلانية . قال : " ليس ذلكم النفاق  " . 
لم يروه عن ثابت  إلا الحارث بن عبيد  فيما نعلمه . 
ثم قال تعالى منبها على أنه مطلع على الضمائر والسرائر : ( وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور   ) أي : بما خطر في القلوب . 
( ألا يعلم من خلق   ) ؟ أي : ألا يعلم الخالق ؟ ! وقيل : معناه ألا يعلم الله مخلوقه ؟ والأول أولى ، لقوله : ( وهو اللطيف الخبير ) 
ثم ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض ، وتذليله إياها لهم ، بأن جعلها قارة ساكنة لا تمتد ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال ، وأنبع فيها من العيون ، وسلك فيها من السبل ، وهيأها فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار ، فقال : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها   ) أي : فسافروا حيث شئتم من أقطارها ، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات ، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئا ، إلا أن ييسره الله لكم ; ولهذا قال : ( وكلوا من رزقه   ) فالسعي في السبب لا ينافي التوكل  كما قال  الإمام أحمد   : 
حدثنا أبو عبد الرحمن  ، حدثنا حيوة  ، أخبرني  بكر بن عمرو  أنه سمع عبد الله بن هبيرة  يقول : إنه سمع أبا تميم الجيشاني  يقول : إنه سمع  عمر بن الخطاب  يقول : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا  " . 
رواه الترمذي  ،  والنسائي  ،  وابن ماجه  من حديث ابن هبيرة  وقال الترمذي   : حسن صحيح . فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق ، مع توكلها على الله ، عز وجل ، وهو المسخر المسير المسبب . ) وإليه النشور ) أي : المرجع يوم القيامة . 
 [ ص: 180 ] 
قال ابن عباس  ، ومجاهد  ، وقتادة  ،  والسدي   : ( مناكبها ) أطرافها ، وفجاجها ، ونواحيها . وقال ابن عباس  ، وقتادة   : ( مناكبها ) الجبال . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن حكام الأزدي  ، حدثنا شعبة  ، عن قتادة  ، عن يونس بن جبير  ، عن بشير بن كعب   : أنه قرأ هذه الآية : ( فامشوا في مناكبها   ) فقال لأم ولد له : إن علمت ) مناكبها ) فأنت عتيقة . فقالت : هي الجبال . فسأل أبا الدرداء  فقال : هي الجبال . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					