( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون    ) ( 158 ) 
يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد  صلى الله عليه وسلم ) قل ) يا محمد   : ( يا أيها الناس ) وهذا خطاب للأحمر والأسود ، والعربي والعجمي ، ( إني رسول الله إليكم جميعا   ) أي : جميعكم ، وهذا من شرفه وعظمته أنه خاتم النبيين ، وأنه مبعوث إلى الناس كافة ، كما قال تعالى : ( قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ   ) [ الأنعام : 19 ] وقال تعالى : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده   ) [ هود : 17 ] وقال تعالى : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ   ) [ آل عمران : 20 ] والآيات في هذا كثيرة ، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر ، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه ، صلوات الله وسلامه عليه ، رسول الله إلى الناس كلهم . 
قال  البخاري ،  رحمه الله ، في تفسير هذه الآية : حدثنا عبد الله ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن   وموسى بن هارون  قالا حدثنا  الوليد بن مسلم  ، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر  حدثني بسر بن عبيد الله  ، حدثني أبو إدريس الخولاني  قال : سمعت أبا الدرداء  ، رضي الله عنه ، يقول : كانت بين أبي بكر  وعمر ،  رضي الله عنهما ، محاورة ، فأغضب أبو بكر  عمر ،  فانصرف عمر  عنه مغضبا ، فأتبعه أبو بكر  يسأله أن يستغفر له ، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه ، فأقبل أبو بكر  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال أبو الدرداء   : ونحن عنده - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما صاحبكم هذا فقد غامر " - أي :  [ ص: 490 ] غاضب وحاقد - قال : وندم عمر على ما كان منه ، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر - قال أبو الدرداء   : وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول : والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل أنتم تاركوا لي صاحبي ؟ إني قلت : يأيها الناس ، إني رسول الله إليكم جميعا ، فقلتم : كذبت وقال أبو بكر   : صدقت  " . انفرد به  البخاري  
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا عبد الصمد  ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم  ، حدثنا  يزيد بن أبي زياد  ، عن مقسم ،  عن ابن عباس   [ رضي الله عنه ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي - ولا أقوله فخرا : بعثت إلى الناس كافة : الأحمر والأسود ، ونصرت بالرعب مسيرة شهر  ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي  ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا  ، وأعطيت الشفاعة  فأخرتها لأمتي ، فهي لمن لا يشرك بالله شيئا  " إسناده جيد ، ولم يخرجوه . 
وقال  الإمام أحمد  أيضا : حدثنا قتيبة بن سعيد  ، حدثنا بكر بن مضر  ، عن أبي الهاد  ، عن عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك ، قام من الليل يصلي ، فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه ، حتى إذا صلى انصرف إليهم فقال لهم : " لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي ، أما أنا فأرسلت إلى الناس كلهم عامة وكان من قبلي إنما يرسل إلى قومه ، ونصرت على العدو بالرعب ، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر لملئ مني رعبا ، وأحلت لي الغنائم آكلها وكان من قبلي يعظمون أكلها ، كانوا يحرقونها ، وجعلت لي الأرض مساجد وطهورا ، أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت ، وكان من قبلي يعظمون ذلك ، إنما كانوا يصلون في بيعهم وكنائسهم ، والخامسة هي ما هي ، قيل لي : سل ; فإن كل نبي قد سأل . فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة ، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله  " إسناد جيد قوي أيضا ولم يخرجوه . 
وقال أيضا : حدثنا محمد بن جعفر ،  حدثنا شعبة ،  عن أبي بشر ،  عن سعيد بن جبير ،  عن  أبي موسى الأشعري ،  رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني ، فلم يؤمن بي ، لم يدخل الجنة  " 
وهذا الحديث في صحيح مسلم  من وجه آخر ، عن أبي موسى  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي رجل من هذه الأمة : يهودي ولا نصراني ، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار  " 
 [ ص: 491 ] وقال  الإمام أحمد   : حدثنا حسن ،  حدثنا ابن لهيعة  ، حدثنا  أبو يونس - وهو سليم بن جبير   - عن  أبي هريرة  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي أو نصراني ، ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار   " . تفرد به أحمد  
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا حسين بن محمد  ، حدثنا إسرائيل ،  عن أبي إسحاق  ، عن أبي بردة  ، عن أبي موسى  ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسا : بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي ، ونصرت بالرعب شهرا وأعطيت الشفاعة - وليس من نبي إلا وقد سأل الشفاعة ، وإني قد اختبأت شفاعتي ، ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئا  " 
وهذا أيضا إسناد صحيح ، ولم أرهم خرجوه ، والله أعلم ، وهذا الحديث ثابت في الصحيحين أيضا ، من حديث  جابر بن عبد الله  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يبعث إلى قومه ، وبعثت إلى الناس عامة  " 
وقوله : ( الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت    ) صفة الله تعالى ، في قوله : رسول الله أي : الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه ، الذي بيده الملك والإحياء والإماتة ، وله الحكم . 
وقوله : ( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي   ) أخبرهم أنه رسول الله إليهم ، ثم أمرهم باتباعه والإيمان به ، ( النبي الأمي   ) أي : الذي وعدتم به وبشرتم به في الكتب المتقدمة ، فإنه منعوت بذلك في كتبهم ; ولهذا قال : ( النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته   ) أي : يصدق قوله عمله ، وهو يؤمن بما أنزل إليه من ربه ) واتبعوه ) أي : اسلكوا طريقه واقتفوا أثره ، ( لعلكم تهتدون   ) أي : إلى الصراط المستقيم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					