[ ص: 413 ]  706 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغرة التي قضى بها في الجنين ، وما مقدارها من الدية 
 4526  - حدثنا إبراهيم بن أحمد بن مروان الواسطي  ، حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي  ، حدثنا  أبي  ، عن  سعيد يعني ابن أبي عروبة  ، عن  قتادة  ، عن  أبي المليح  ، عن حمل بن مالك بن النابغة  قال : كانت له امرأتان مليكة  وأم عفيف  ، فرجمت إحداهما الأخرى بحجر ، فأصابت قبلها وهي حامل ، فألقت جنينا وماتت ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على عاقلة القاتلة ، وقضى في الجنين غرة عبدا أو أمة أو مائة من الشاء ، أو عشر من الإبل ، فقام أبوها أو رجل من عصبتها ، فقال : يا رسول الله ، ما شرب ولا أكل ، ولا صاح ولا استهل ، ومثل ذلك دمه يطل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لسنا من أساجيع الجاهلية في شيء   . 
 [ ص: 414 ] فتأملنا هذا الحديث بعد وقوفنا على إجماع أهل العلم في مقدار الغرة الواجبة في الجنين من الدية أنه نصف عشرها ، فوجدنا فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الغرة أنها عبد أو أمة ، فكان في ذلك إعلام الناس بالغرة ما هي ، ثم أتبع ذلك بقوله : " أو مائة من الشاء " ، فلم يكن ذلك من الغرة في شيء ، ولكنه الجزء الذي هو مقدار الغرة من الدية من الشاء ما هو ، لأن الدية من الشاء في قول من يجعل الشاء صنفا من أصناف الديات ألفا شاة ، فالمائة منها نصف عشرها ، وممن كان يجعل الدية من الشاء هذا المقدار  أبو يوسف  ومحمد بن الحسن  ، فأما  أبو حنيفة  ، فلم يكن يجعل الدية إلا في الإبل ، وفي الدراهم وفي الدنانير خاصة ، وأما مالك  ، فكان يجعلها في الإبل ، وفي الدنانير وفي الدراهم ، وأما  الشافعي  ، فكان يجعلها في الإبل خاصة دون ما سواها . وكان ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أولى ، ولم يكن ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصده بالدية لقتيل الأنصار  إلى مائة من  [ ص: 415 ] الإبل ، ولا بقوله في قتيل خطأ العمد فيه مائة من الإبل ، فدافع أن تكون الدية أصنافا غير الإبل ، ثم قال في هذا الحديث : " أو عشر من الإبل " ، فكان هذا عندنا وهما في النقل لخروجه عن أقوال العلماء جميعا ، ولتلقيهم إياه بالخلاف له ، وكان هذا الحديث إنما دار على أبي المليح  ، فممن رواه عنه قتادة كما ذكرنا ، وقد رواه عنه  أيوب السختياني .  
 4527  - كما حدثنا  الربيع بن سليمان المرادي  قال : حدثنا  أسد بن موسى  قال : حدثنا  سفيان بن عيينة  ، عن  أيوب السختياني  قال : سمعت  أبا المليح الهذلي ابن أسامة  ، وكان قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم - هكذا حدثناه الربيع  في مسند أسد  في نوع ترجم بمسند أسامة الهذلي  ، فعقلنا بذلك أن مكان " ابن أسامة   " : " عن أسامة   " ، لا سيما وقد قال فيه : وقد كان صحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو المليح  فلم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا علمناه رآه ، والذي صحب النبي صلى الله عليه وسلم هو أبوه ، وهو أسامة بن عمير   - قال : كان فينا امرأتان ، فضربت إحداهما الأخرى بعمود ، فقتلتها ، وقتلت ما في بطنها ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة ، عبد أو أمة ، أو بفرس ، أو عشر من الإبل ، أو كذا وكذا من الغنم ، فقال رجل من رهط القاتلة : كيف نعقل يا رسول الله من لا أكل ولا شرب ، ولا صاح ولا استهل ، فمثل ذلك يطل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أسجاعة أنت ؟ " فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراث المقتولة لزوجها ولولدها ، وأن العقل على عصبة القاتلة   . 
 [ ص: 416 ] فكان في هذا الحديث زيادة من أيوب  على قتادة  ذكر " الفرس " ، وكان فيه : " أو عشر من الإبل " ، كما في حديث قتادة  ، وكان ذلك عندنا من حديث أيوب  ، كما هو من حديث قتادة  في الوهم في العدد الذي ذكر فيهما من الإبل ، لأنه لا اختلاف بين أهل العلم في مقدار الدية من الإبل أنه مائة من الإبل ، ونصف العشر منها إنما هو خمس من الإبل لا عشر من الإبل ، وممن رواه عنه أيضا سلمة بن تمام  وهو أبو عبد الله الشقري   . 
 4528  - كما حدثنا فهد ،  حدثنا عثمان بن سعيد بن مرة القرشي  ، حدثنا المنهال بن خليفة  ، عن سلمة بن تمام  ، عن  أبي المليح  ، عن أبيه  قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصم امرأة ، فقال : إني تزوجت هذه المرأة ، وإن ضرتها ضربت بطنها ، فألقت جنينا ميتا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دوه " ، وكان معها أخ لها يقال له : عمران بن  [ ص: 417 ] عويمر  ، فقال : يا رسول الله ، أندي من لا أكل ولا شرب ، ولا صاح ولا استهل ، ومثله يطل ؟ فقال عليه السلام : دعني من أراجيز البادية أو أراجيز الأعراب ، فيه غرة ، عبد أو أمة ، أو خمس مائة درهم ، أو فرس ، أو عشرون ومائة شاة " ، قال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك دينارا ولا درهما ولا شيئا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخيها - وكان يومئذ على صدقات هذيل   - : " اقبض من تحت يدك عشرين ومائة شاة " ، ففعل   . 
وكان في هذا الحديث في الغرة أنها عبد أو أمة ، أو فرس ، وكان فيه أيضا : أو خمس مائة درهم . ففي ذلك ما قد دل على أن الدراهم  [ ص: 418 ] جنس من أجناس الدية ، وأن مقدارها منها عشرة آلاف درهم كما يقول الكوفيون في ذلك بخلاف ما يقول الحجازيون فيه ، لأن الكوفيين يجعلون مقدار الدية من الدراهم عشرة آلاف ، والحجازيون  يجعلونها منها اثني عشر ألف درهم ، ولهم في ذلك مما قد روي موافقا لما قالوه فيه . 
 4529  - ما قد حدثنا محمد بن خزيمة  ، حدثنا  محمد بن سنان العوقي  ، حدثنا  محمد بن مسلم الطائفي  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن  عكرمة  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية اثني عشر ألفا ، وفي ذلك نزلت : وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله  بأخذهم الدية   . 
 [ ص: 419 ] فطعن طاعن في هذا الحديث ، فقال : قد رواه عن عمرو  من هو أحفظ من محمد بن مسلم  ، وهو  سفيان بن عيينة  ، فلم يذكر فيه  ابن عباس   . 
 4530  - وذكر ما قد حدثناه  بحر بن نصر  ، حدثنا  يحيى بن حسان  ، حدثنا  سفيان  ، عن  عمرو  ، عن  عكرمة  بهذا الحديث ، ولم يذكر  ابن عباس  في هذا الحديث . 
فكان من حجتنا لهم عليهم في ذلك أن  ابن عيينة  قد كان ربما رفع هذا الحديث وذكر فيه  ابن عباس  ، وربما لم يذكر  ابن عباس  فيه ، فممن رواه عنه بإثباته  ابن عباس  فيه محمد بن ميمون المكي  الذي يقال له : الخياط   . 
 4531  - كما حدثنا  أحمد بن شعيب  قال : أخبرنا محمد بن ميمون  ، أخبرنا  سفيان  ، عن  عمرو  ، عن  عكرمة  ، سمعناه مرة يقول :  [ ص: 420 ] عن  ابن عباس  أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باثني عشر ألفا  ، يعني في الدية . 
فعاد هذا الحديث من حديث سفيان  ومحمد بن مسلم  إلى  ابن عباس  رضي الله عنه ، وكان في هذا الحديث من مقدار الدية من الدراهم ما فيه ، وهو اثنا عشر ألف درهم . 
وفي حديث أبي مليح  ما قد دل على أنها عشرة آلاف ، وهذا مما لا يدرك بالاستنباط ولا بالاستخراج ، وإنما يقال فيه بالتوقف ، والعشرة آلاف قد تيقنا وجوبها ولم نتيقن وجوب ما جاوزها . فكان أولى الأشياء بنا أن لا نقضي في الدية من الدراهم إلا بعشرة آلاف ، وفي هذا الحديث : " أو مائة وعشرين من الشاء " ، وهذا مما لا نعلم أحدا من العلماء ذهب إليه ، وفي إجماعهم على خلافه ما قد دل على فساده ، وعلى أن الأولى في ذلك ما في حديث قتادة مما تعود به الدية من الشاء إلى ألفي شاة ، غير أن بعض الناس طعن في حديث سلمة بن  [ ص: 421 ] تمام  هذا ، وذكر أن  عبد الله بن المبارك  جعله عن عبد الرحمن بن أبي مليح  ، عن أبيه وذكر في ذلك . 
 4532  - ما قد حدثنا  يحيى بن عثمان  ، حدثنا  نعيم بن حماد  ، حدثنا  ابن المبارك  ، أخبرنا المنهال بن خليفة  ، حدثني سلمة بن تمام  ، عن عبد الرحمن بن أبي مليح الهذلي  ، عن  أبيه  ، ولم يذكر بعد أبيه أحدا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بامرأتين كانتا عند رجل من هذيل  يقال له : حمل بن مالك  ، فضربت إحداهما بطن صاحبتها بعمود فسطاط ، فألقت جنينا ميتا ، فانطلق بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها أخ لها يقال له : عمران  ، فقص على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقضى فيه بغرة ، فقال : أندي من لا شرب ولا أكل ، ولا صاح ولا استهل ، فمثله يطل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعني من أراجيز أهل البادية ، أو من أراجيز الأعراب ، فيه غرة ، عبد أو أمة ، أو خمس مائة درهم - ولم يذكر ما هي ؟ - أو فرس ، أو عشرون ومائة شاة " ، فقال : يا رسول الله ، إن لها بنين هم سادة الحي أحق بعقلها مني ، فقال : " أنت أحق بالعقل عن أختك من ولدها " ، فقال : ما لنا شيء نعقل ولا ندي ، فقال لحمل بن مالك  وهو زوج المرأتين وهو على صدقات هذيل : " اقبض من تحت يدك من صدقات هذيل  عشرين ومائة شاة   . 
 [ ص: 422 ] فعاد هذا الحديث عن سلمة بن تمام  ، عن عبد الرحمن بن أبي المليح  ، عن أبيه ، فعاد بذلك منقطعا غير أنه قد يحتمل أن يكون سلمة بن تمام أخذه عن ابن أبي مليح  كذلك ، وحدث به أبو مليح  ، عن أبيه كما في حديث عثمان بن سعيد بن مرة  ، وذلك أولى ما حمل عليه لجلالة عثمان بن سعيد  وإتقانه وحفظه ، لا سيما وقد وافقه أيوب  في روايته هذا الحديث عن ابن أبي مليح  ، عن أبيه ، والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك ، وإياه نسأله التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					